يتم التحميل...

كيف أكون عبداً؟

صدى الآيات

توضح لنا الآية أنا خلقنا لعبادة اللَّه وهي الهدف الأصلي، والسؤال الذي ينبغي الاجابة عليه، هل المراد من العبادة أداء المراسم والمناسك اليومية كالصلاة، أو الصوم وغيره من العبادات فقط، أو هي أمر آخر

عدد الزوار: 320

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ1.
 

أ- في كنف الآية:

توضح لنا الآية أنا خلقنا لعبادة اللَّه وهي الهدف الأصلي، والسؤال الذي ينبغي الاجابة عليه، هل المراد من العبادة أداء المراسم والمناسك اليومية كالصلاة، أو الصوم وغيره من العبادات فقط، أو هي أمر آخر.

وللإجابة عن ذلك ينبغي معرفة كلمة العبد والعبودية.

فالعبد: هو الإنسان المتعلق بمولاه، وإرادته تابعة لإرادته، ولا يطلب شيئاً إلا تبعاً لطلب سيده، فهو لا يملك شيئاً، لأنه وما عنده ملك للمولى، وليس له أن يقصّر في طاعته أو يتمرد على أمره.


والعبودية: هي اظهار منتهى الخضوع للمعبود والتسليم له والطاعة بلا قيد ولا شرط والمعبود الوحيد الذي له حق العبادة على الآخرين هو الذي بذل منتهى الانعام والإكرام وليس ذلك سوى اللَّه سبحانه، فبناءً على ذلك العبودية هي قمة التكامل وأوج بلوغ الإنسان واقترابه من اللَّه والسير نحو الكمال المطلق وهو الهدف النهائي من خلق البشر الذي أعدّ اللَّه الامتحان لبلوغه ومنحه العلم والمعرفة وجعل نتيجة ذلك فيض رحمته للإنسان.


فمعنى أن أكون عبداً أي لا أقوم بأي فعل حتى أعلم حكم اللَّه فيه وأن لا تكون لي إرادة في مقابل إرادة الخالق وإنما لا أريد إلا ما أراده ولا أرى لنفس حولاً ولا قوة على شي‏ء إلا بتوفيقه ومنّه، يقول مولانا الصادق عليه السلام لما سئل عن حقيقة العبودية: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد فيما خوّله اللَّه ملكاً، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال اللَّه يضعونه حيث أمرهم اللَّه تعالى به، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره اللَّه تعالى به ونهاه عنه.. فهذا أول درجة المتقين2.


ب- شروط العبادة:

إن الشرط الأهم والأول هو معرفة اللَّه تعالى، لأنه كيف أعبد من لا أعرفه، وتتم هذه المعرفة عبر معرفة النفس في الحديث: من عرف نفسه فقد عرف ربّه، وأصل المعرفة توحيده سبحانه يقول الرضا عليه السلام: "أول عبادة اللَّه معرفته، وأصل معرفة اللَّه توحيده"3.

وأما سائر الشروط فقد جاء ذكرها في حديث المعراج: يا أحمد! هل تدري متى يكون لي العبد عابداً؟ قال: لا يا رب، قال: إذا اجتمع فيه سبع خصال:

1- ورع يحجزه عن المحارم.
2- وصمت يكفّه عما لا يعنيه.
3- وخوف يزداد كل يوم من بكائه.
4- وحياء يستحي مني في الخلاء.
5- وأكل ما لا بد منه.
6- ويبغض الدنيا لبغضي لها.
7- ويحب الأخيار لحبي إياهم4.


ج- أمور تأثر في العبادة:

الأول: الهوى

عن أمير المؤمنين عليه السلام "كيف يجد لذة العبادة من لا يصوم عن الهوى"5.

الثاني: حب الدنيا

عن المسيح بن مريم عليه السلام: "بحق أقول لكم إنه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال"6.

الثالث: الهمّ والغمّ‏

فيما أوحى اللَّه تعالى إلى داود عليه السلام: "ما لأوليائي والهمّ بالدنيا، إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم، يا داود إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون"7.


د- أنواع العبادة:

إن للعبادة أنواعاً حسب ما ورد على لسان أهل البيت عليه السلام وهي ثلاثة:

1 - عبادة التجار أو الأجراء.
2 - عبادة العبيد.
3 - عبادة الأحرار الكرام.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن قوماً عبدوا اللَّه رغبة فتلك عبادة التجّار، وإن قوماً عبدوا اللَّه رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا للَّه شكراً فتلك عبادة الأحرار"8.

والنوع الثالث هو أفضل العبادة التي كان عليها أئمتنا عليه السلام يقول مولى المتقين عليه السلام: "ولكني أعبده حباً له عزّ وجلّ فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله عزّ وجلّ: وهم من فزع يومئذٍ آمنون"9، ويقول سيد الساجدينعليه السلام: "إني أكره أن أعبد اللَّه ولا غرض لي إلا ثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطمع، إن طمع عمل وإلاّ لم يعمل وأكره أن لا أعبده إلا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل، قيل: فلمَ تعبده؟ قال: لما هو أهله بأياديه عليّ وإنعامه"10 أي يعبده شكراً وطاعةً.


هـ- متى لا تقبل العبادة؟

إن العبادة لا تقبل مع تضييع الحقوق وانتهاكها، كما في الحديث: "من اكتسب مالاً حراماً لم يقبل اللَّه منه صدقة ولا عتقاً ولا حجاً ولا اعتماراً، وكتب اللَّه عزّ وجلّ بعدد أجر ذلك أوزاراً، وما بقي منه بعد موته كان زاده إلى النار، ومن قدر عليها فتركها مخافة اللَّه عزّ وجلّ دخل في محبة اللَّه عزّ وجلّ ورحمته ويؤمر به إلى الجنة"11.


و- من يعبد غير اللَّه؟

عن الصادق عليه السلام: "ليس العبادة هي السجود والركوع، إنما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده"12.

لذلك من يخضع ويأتمر بأوامر أهل الدنيا من الزعماء والسلاطين يعبد غير اللَّه، وفي المقابل من يلتزم بالتكليف الصادر من الولي الفقيه ويصغي له ويطيعه فإنما يطيع اللَّه بذلك ويمتثل أمره بالرجوع إليه ولا يجوز له الردَّ عليه كما جاء في الحديث: "فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم اللَّه وعلينا ردّ، والراد علينا كالراد على اللَّه"13.

من هنا نفهم أن الذي يخالف التكليف الشرعي لا يكون عبداً حقيقياً وإنما يكذب على اللَّه ورسوله والعترة الطاهرة عليه السلام.


*صدى الآيات،سلسلة الدروس الثقافية،  إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيلول 2002م، ص29-35.


1- الذاريات:56.
2- ميزان الحكمة، الحديث 11615.
3- م. ن، الحديث، 11614.
4- م. ن، الحديث 11613.
5- غرر الحكم.
6- البحار، ج‏14.
7- م. ن، ج‏82.
8- م. ن، الحديث 11645.
9- م. ن، الحديث 11647.
10- البحار، ج‏70، ص‏210.
11- أعلام الدين، ص‏414.
12- البحار، ج‏72، ص‏94.
13- الوسائل ج‏18، ص‏99.

2011-01-25