يتم التحميل...

المودَّة

معرفة أهل البيت

لم تكن علاقة أهل البيت عليهم السلام بالمؤمنين مجرد مفردة من مفردات العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين المؤمنين، بل لهذه العلاقة خصوصيتها التي تجعلها المفصل بين الهدى والضلال، فهم سفن النجاة والعروة الوثقى.

عدد الزوار: 92

مقدمة:

لم تكن علاقة أهل البيت عليهم السلام بالمؤمنين مجرد مفردة من مفردات العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين المؤمنين، بل لهذه العلاقة خصوصيتها التي تجعلها المفصل بين الهدى والضلال، فهم سفن النجاة والعروة الوثقى.

ولهذه العلاقة طبيعتها وحيثياتها التي حددها القرآن الكريم في العديد من آياته الكريمة، هذه العلاقة التي تقوم على مودة أهل البيت عليهم السلام كما عبر القرآن الكريم:

﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى1.

هذه المودة التي لها حيثياتها وآثارها التي سنتعرض إليها فيما يأتي، ولكن قبل ذلك لا بد من بيان معنى المودة.

المودة في اللغة:

المودة هي المحبة، وودت الرجل أودّه وداً إذا أحببته2، والحب هو الانجذاب العاطفي من المحب نحو المحبوب، فالمودة هي نوع من انسجام وتعاطف وميلان القلب ، ومودة أهل البيت عليهم السلام تعني التعلق القلبي والانسجام معهم والميلان إليهم عليهم السلام ، والتعلق القلبي هو أعمق من مجرد التعلق العلمي الذي لم يتجاوز العقل واللسان. لأن التعلق إذا لم يصل إلى مرحلة القلب وتوقف عند العقل واللسان فربما لا يستتبع عملاً وانسجاماً على المستوى المسلكي ومعياراً وقدوة على المستوى العملي، بينما يستتبع ذلك كله إذا وصل إلى مرحلة القلب.

أدلة مودة أهل البيت عليهم السلام

إن مودة أهل البيت عليهم السلام ليست مجرد مسألة شخصية تعبر عن علاقة خاصة بين شخص وآخر، ولا هي مجرد أمنية تمناها النبي صلى الله عليه وآله عطفاً منه على أهل بيته الذين يريد لهم الخير كأي أب يريد الخير لأولاده، بل هي وصية إلهية نزل بها القرآن الكريم، وأكدت عليها الكثير من الروايات وقدمتها على أنها من أساسيات هذا الدين الحنيف، وسنستعرض هنا بعض النصوص الشرعية في مودتهم عليهم السلام:

1- ﴿ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنّ‏َ اللَّهَ غَفُور شَكُور3. يُروى في شأن نزول هذه الآية: "جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فانزل الله "قل لا أسألكم عليه أجراً "يعني على النبوة" إلا المودة في القربى "يعني في أهل بيته... قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول عرضنا عليه أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي"4.

وينقل ابن عباس قال: "لما نزلت ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى5 قلت: يا رسول الله من قرابتك الذين افترض الله علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما، ثلاث مرات يقولها"6.

فهذه الآية الكريمة تؤكد على مودة أهل البيت وتقدمها باعتبارها أمراً إلهيا جاء من عند الله تعالى حيث صدّرها بكلمة (قل).

2- هناك العديد من الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله والتي يؤكد فيها على محبة أهل بيته عليهم السلام ومن هذه الأحاديث:

"لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته"7.

فإن كنا من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله على نحو الحقيقة واليقين فمن اللازم علينا أن نملأ قلوبنا حبا بأهل البيت عليهم السلام.

لماذا المودة؟

لا بد أن للمودة حكمة تقف وراءها حتى صارت نصاً قرآنياً وتأكيداً شرعياً، فما السبب الداعي إلى المودة والحكمة الواقفة خلفها؟ هناك أكثر من سبب يمكن استعراضه لذلك، من هذه الأسباب:

1- أجر للنبي:


فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد حمل لهذه الأمة خير الدنيا والآخرة ورفعها من ذل الجاهلية إلى عز الإسلام، فصارت أهلاً للبشرى التي جاءها بها:

(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، فمن الطبيعي أن نفكر في الأجر الذي يمكن إيصاله للنبي صلى الله عليه وآله جزاء على ما قدم، فمن فكر في جزاء النبي صلى الله عليه وآله وكيفية القيام بذلك أعطاه الله تعالى طريقاً لذلك هو محبة أهل البيت كما ورد في الآية الآنفة الذكر:

(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

وإلى هذا المعنى أشير في دعاء الندبة حيث ورد فيه:

"ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودّتهم في كتابك، فقلت: (لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)".

2- باعتبار ما قدموه عليهم السلام:

فقد نذر أهل البيت عليهم السلام حياتهم لخدمة دين الله تعالى إن من جهة بيان الأحكام الشرعية حتى كان النبي عليه السلام مدينة العلم وعلي عليه السلام بابها، أو من جهة انتصار الإسلام حيث كان انتصار الإسلام بسيف علي عليه السلام أو لجهة استمراره بنهجه وروحيته حيث ضمن استمراره دم الحسين عليه السلام وما قدمه الإمام الحسن الشهيد عليه السلام تمهيداً لذلك وما بذله الأئمة عليهم السلام من بعده... كل ذلك يستحق من المسلمين الثناء والمحبة والارتباط القلبي.

3- باعتبارهم عليهم السلام السبيل إلى الله تعالى:

فصحيح أن مودتهم جاءت بلسان طلب الأجر من قبل النبي صلى الله عليه وآله ولكنه لم يطلب مودة أهل البيت عليهم السلام لكي يجرّ نفعا إلى نفسه بل النفع في نهاية المطاف عائد وراجع إلينا كما يؤكد القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى:

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ شَهِيد8. وإلى هذا المعنى أشير في دعاء الندبة حيث ورد فيه:

"ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودّتهم في كتابك، فقلت: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، وقلت: ما سألتكم من أجر فهو لكم، وقلت: ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك"9.

والمقطع الأخير إشارة إلى قوله تعالى:

﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً10.

فعمق المودة لا يقف عند مسألة عرفان الجميل، بل يتعداها لتكون المودة هي السبيل الذي يصل من خلاله الإنسان إلى الارتباط بالله تعالى وطاعته ورضاه، وعلى ضوء ذلك نطرح السؤال التالي: المودّة كلام أو التزام؟

المودّة تلازم العمل:

إن الذي يحب إنسانا فإنه يعمل بما تمليه عليه تلك المحبة مما يجلب له رضا المحبوب، ورضا أهل البيت عليهم السلام لا يكون بمجرد أن ندعي محبتهم، بل يكون بالالتزام الصحيح بكل ما صدر عنهم من أمر ونهي وكما في الشعر المنسوب لأمير المؤمنين‏ عليه السلام :لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن أحبّ‏َ مطيع وقد وردت الكثير من الروايات عن أئمتنا عليهم السلام في ذم من يدعي المحبة ويعمل بخلافها ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي :

"يا جابر! بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له يا جابر! من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا"11.

وفي حديث آخر عنه ‏عليه السلام :"فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا! ويحكم لا تغتروا!"12.

وهذا ما يشير إليه الإمام الخميني رحمه الله حيث يقول: "فيا أيها العزيز! لا يغرنك الشيطان ولا تخدعنك الأهواء النفسية، ومن المعلوم أن الإنسان الخامل المبتلي بالشهوات وحب الدنيا والجاه والمال مثل الكاتب يبحث عن مبرر لخموله، ويقبل على كل ما يوافق شهواته ويدعم رغباته النفسية وأوهامه الشيطانية... هذا المسكين يظن أن مجرد ادعاء التشيع وحب التشيع وحب أهل بيت الطهارة والعصمة يسوغ له والعياذ بالله اقتراف كل محرم من المحظورات الشرعية ويرفع عنه قلم التكليف، إن هذا السيى الحظ لم ينتبه بأن الشيطان قد ألبس الأمر عليه، ويُخشى عليه في نهاية عمره أن تُسلب منه هذه المحبة الجوفاء التي لا تجدي ولا تنفع، ويحشر يوم القيامة صفر اليدين وفي صفوف نواصب أهل البيت عليهم السلام".

إذاً لا يكفي مجرد الكلام ولا مجرد الانتساب ولا إدعاء التولي، بل الذي يثبت المحبة هو العمل والالتزام.

ثمرة مودّتهم عليهم السلام:

1- في الدنيا:


من الثمرات الجليّة لمحبة أهل البيت عليهم السلام الحقيقية، أن تظهر علامات الإيمان على حياة الإنسان العملية، وما ذلك إلا لأنّ أهل البيت عليهم السلام هم أكمل الناس ولا يأمرون أتباعهم إلا بما هو في صالح دنياهم وأُخراهم، ومن هنا فالذي يعمل بأمرهم، ويكون متصفا بصفاتهم وعاملا بما أمروه من حسن الخلق وطيب النفس وسماحتها وحسن الظن بالآخرين وغيرها من الخصال التي تتصل بكل تفاصيل حياة الفرد، يكون من أنجح الناس وأكثرهم خيرا لأمته ومجتمعه...

2- في الآخرة:


إذا كانت مودة أهل البيت عليهم السلام تهذب الإنسان وتسمو بروحه وأخلاقه، فمن الطبيعي أن يكون لها الأثر الكبير في الآخرة وقد وردت الكثير من الروايات التي تتحدث عن ذلك منها ما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله:

"حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط"13.

وفي الحديث الآخر عن الإمام علي عليه السلام أنه قال للحارث الهمداني14 لما أتاه ذات يومٍ نصفَ النهار:

"ما جاء بك؟".

قلت: حبّك والله.

قال عليه السلام:

"إن كنت صادقا لتراني في ثلاثة مواطن: حيث تبلغ نفسك هذه وأومأ بيده إلى حنجرته وعند الصراط، وعند الحوض"15.

فهذا هو الأجر الذي أعده الله لمحبي أهل البيت عليهم السلام ، المقتدين بهم.

*معرفة أهل البيت، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص53-62.


1- الشورى:23
2- صحاح الجوهري.
3- الشورى:24
4- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج‏2، ص‏275.
5- الشورى:23
6- تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي، ص‏389.
7- الأمالي للشيخ الصدوق، ص‏414.
8- سبأ:48
9- بحار الأنوار، ج‏99، ص‏140 دعاء الندبة.
10- الفرقان:57
11- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏519.
12- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏519.
13- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏518.
14- الهمداني نسبة إلى همدان وهي قبيلة كانت تقطن اليمن، وكانوا من أنصار أمير المؤمنين عليه السلام.
15- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏518.

2010-03-23