الولاية التكوينية
معرفة أهل البيت
الولاية التكوينية هي من الأمور التي يتم بحثها عند التعرض للإنسان الكامل سواء كان نبياً أو إماماً... وهذا البحث غير مختص بالشيعة فقد نجد من غير الشيعة من يقول بثبوت الولاية لبعض الأشخاص، كما أنه ليس محل إجماع لدى الشيعة حيث نجد آراءً أخرى لبعض العلماء حول ثبوت هذا الأمر لأحد من الناس.
عدد الزوار: 158
الولاية التكوينية هي من الأمور التي يتم بحثها عند التعرض للإنسان الكامل سواء كان نبياً أو إماماً...
وهذا البحث غير مختص بالشيعة فقد نجد من غير الشيعة من يقول بثبوت الولاية لبعض الأشخاص، كما أنه ليس محل إجماع لدى الشيعة حيث نجد آراءً أخرى لبعض العلماء حول ثبوت هذا الأمر لأحد من الناس.
معنى الولاية التكوينية:
المقصود من الولاية التكوينية القدرة على التصرف بدون توسّط البدن، قدرة محدودة بحد معيَّن أو مطلقة تشمل كل ممكن.
وهذا يجعل الولاية التكوينية في إطار قدرات الولي بحيث إنّه قادر على فعل هذه الأشياء إن أراد، بإرادة الله تعالى وتسديده.
الولاية التكوينية في القرآن الكريم:
لا شكّ أن هناك معجزات وخوارق للعادات ظهرت على أيدي الأنبياء والأوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين، وذلك في مناسبات متعدّدة وظروف متفاوتة.
إنّما الكلام في أن هذه المعجزات هل صدرت عنهم وكانت من فعلهم، بحيث إن اللّه تعالى أعطاهم القدرة على ذلك؟
يمكن التمسّك والاستدلال بآيات من القرآن الكريم لإثبات صدور المعجزات عن الأنبياء عليهم السلام، وهذه الآيات هي:
الآية الأولى: قوله تعالى:
﴿إنّي قَدْ جئْتُكُمْ بآيَةٍ منْ رَبَكُمْ أَنّي أَخْلُقُ لَكُمْ منَ الطِّين كَهَيْئَة الطَّير فَأَنْفُخُ فيه فيَكُونُ طَيْراً بإذْن اللّه وَأُبْرىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وأُحْي المَوْتَى بإذْن اللَّه﴾1.هذه الآية الكريمة صرحت أنّ الّذي يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويخلق الطير هو عيسى عليه السلام بنفسه، فاللّه سبحانه وتعالى قد أعطى عيسى عليه السلام القدرة على ذلك.
الآية الثانية: قوله تعالى:
﴿فَسَخَّرنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْري بأَمْره رُخَاءً حيْثُ أَصَابَ﴾2.
ذكر المفسّرون أن معنى "فسخرنا له الريح" أي ذللناها لطاعته أي سليمان عليه السلام فهي تتحرك بإرادته واختياره حيث أراد.
الآية الثالثة: قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ آتيْنَاَ داوُدَ منَّا فَضْلاً يَا جبَالُ أَوِّبي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَديد﴾3.
أي جعلنا الحديد مطيعاً لداود عليه السلام يتحرّك كيفما حركه وهو تعبير آخر عن السلطة والولاية على الحديد.
عن الصادق عليه السلام:
"ألان لهما داود وسليمان عليهم السلام الحديد والصفر من غير نار".
الآية الرابعة: قوله تعالى:
﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَُأُ أَيُّكُمْ يَأْتيني بِعَرْشهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُوني مُسْلمينَ * قَالَ عفْري منَ الْجنِّ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامكَ وَإنِّي عَلَيْه لَقَوي أَمين * قَالَ الَّذي عنْدَهُ علْ مِنَ الكتَابَ أَنَا ءاتيكَ بِه قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقراً عنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْل رَبّي ليَبْلُوَني ءأشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾4.
ذكرت هذه الآيات قصة عرش بلقيس الّذي استطاع أن يأتي به الذي عنده علم من الكتاب وهو وصي سليمان آصف بن رخيا من اليمن إلى الشام قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه، وقد فعل ذلك بنفسه "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك". وعدم ذكر اسمه والاكتفاء بذكر علمه "عنده علم من الكتاب" يشير إلى أن هذا العلم هو سبب قدرته تلك.
قال في تفسيرالأمثل: "أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالاستعانة بقوته المعنوية".
ثبوت هذه الولاية لأئمة أهل البيت عليهم السلام:
هناك روايات كثيرة تدل على ثبوت مثل هذه الولاية والقدرة للأئمة الأطهار عليهم السلام، نذكرها ضمن العناوين التالية:
1- عندهم علم الكتاب:
لقد أوردنا فيما سبق الآيات التي نقلت قصة عرش بلقيس وكيف استطاع أن ينقله آصف في طرفة عين بسبب ما عنده من علم الكتاب.
وفي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال:
"(الَّذي عنْدَهُ علمْ منَ الكتاب) ولم يخبر أن عنده (علم الكتاب)، والمن لا يقع من اللّه على الجميع، وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتابَ الَّذينَ اصْطَفيْنَا منْ عبَادنَا) فهذا الكل ونحن المصطفون". وغيرها العديد من الروايات المشابهة.
2- يقدرون على معجزات الأنبياء:
ففي رواية عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام، وقلت لهما: أنتما ورثة رسول اللّه؟
قال عليه السلام: نعم.
قلت: فرسول اللّه وارث الأنبياء علم كل ما علموا؟
فقال لي عليه السلام: نعم.
قلت: أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟
فقال لي عليه السلام: نعم بإذن اللّه.
ثمّ قال عليه السلام: أدن مني يا أبا محمّد، فمسح يده على عيني ووجهي، وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار. قال عليه السلام:
"أتحبّ أن تكون هكذا، ولك ما للنّاس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً؟".
قلت: أعود كما كنت، قال: فمسح على عيني فعدت كما كنت، قال علي: فحدثت ابن أبي عمير، فقال: "أشهد أن هذا حقّ كما أن النهار حقّ".
3- قدرتهم عليهم السلام على ما يريدون:
وهناك الكثير من الروايات تؤكد أن اللّه تعالى أعطى الأئمة عليهم السلام قدرة يستطيعون أن يفعلوا من خلالها كل ما يريدون.
هذه الروايات جاءت بتعبيرات متعددة، نذكر منها:
• حدثنا الحسن بن أحمد بن محمّد بن سلمة عن محمّد بن المثنى عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:
"إن اللّه قدّرنا على ما نريد، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها".
• محمّد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره عن محمّد بن حماد عن أخيه أحمد بن حماد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال:
"إن اللّه يقول في كتابه (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ به الْجبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ به الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ به الْمَوْتَى) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ماتسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى، وإن في كتاب اللّه لآيات ما يراد بها أمر إلا ن يأذن اللّه به مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه الماضون، جعله اللّه لنا في أم الكتاب".
والروايات بمجموعها مع ملاحظة اشتمالها على روايات صحيحة السند تدل على ثبوت مثل هذه القدرة للأنبياء والأولياء وعلى رأسهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام.
وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام الخميني رحمه الله في كتاب الحكومة الإسلامية حيث يقول: "إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون"1.
*معرفة أهل البيت، سلسة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص37-44.
1- آل عمران:49
2- ص:36
3- سبأ:10
4- (النمل:38-40
5- كتاب الحكومة الإسلامية، طباعة مركز الإمام الخميني الثقافي، ص56.