يتم التحميل...

في البعث والمعاد

أدلة المعاد

أنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين، ويعذِّب العاصين.وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتّفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم...

عدد الزوار: 435

عقيدتنا في البعث والمعاد
نعتقد: أنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين، ويعذِّب العاصين.

وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتّفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ من يعتقد بالله اعتقاداً قاطعاً، ويعتقد كذلك بمحمّد رسولاً منه أرسله بالهدى ودين الحق، لابدّ أن يؤمن بما أخبر به القرآن الكريم من البعث، والثواب والعقاب، والجنة والنعيم، والنار والجحيم، وقد صرّح القرآن بذلك، ولمَّح إليه بما يقرب من ألف آية كريمة.

وإذا تطرَّق الشك في ذلك إلى شخص فليس إلاّ لشك يخالجه في صاحب الرسالة، أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلاّ لشك يعتريه في أصل الاديان كلّها، وفي صحّة الشرائع جميعها.

عقيدتنا في المعاد الجسماني
وبعد هذا، فالمعاد الجسماني ـ بالخصوص ـ ضرورة من ضروريات الدين الإسلامي، دلَّ صريح القرآن الكريم عليها: ﴿أيَحسَبُ الانسانُ أنْ لَنْ نَجمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادرينَ عَلَى أن نُّسَوِّيَ بَنَانهُ1.

﴿وَإن تَعجب فَعَجَبٌ قَولُهُم أءذَا كُنّا تُراباً أءِنّا لَفي خَلق جَدِيد2.

﴿أَفَعَيينَا بالخَلقِ الاوَّلِ بَل هُم في لَبس مِن خَلق جَدِيد3.

وما المعاد الجسماني ـ على إجماله ـ إلاّ إعادة الإنسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب، وإرجاعه إلى هيئته الأولى بعد أن يصبح رميماً.

ولا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني أكثر من هذه العقيدة على بساطتها التي نادى بها القرآن، وأكثر ممّا يتبعها من الحساب والصراط، والميزان والجنة والنار، والثواب والعقاب، بمقدار ما جاءت به التفصيلات القرآنية.

(ولا تجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها إلاّ صاحب النظر الدقيق:
كالعلم بأنّ الأبدان هل تعود بذواتها أو إنّما يعود ما يماثلها بهيئات؟
وأنّ الأرواح هل تعدم كالأجساد أو تبقى مستمرّة حتى تتّصل بالأبدان عند المعاد؟
وأنّ المعاد هل يختص بالإنسان أو يجري على كافّة ضروب الحيوان؟
وأنّ عودها بحكم الله دفعي أو تدريجي؟
وإذا لزم الاعتقاد بالجنة والنار لا تلزم معرفة وجودهما الآن، ولا العلم بأنّهما في السماء أو الأرض، أو يختلفان. وكذا إذا وجبت معرفة الميزان لا تجب معرفة أنّها ميزان معنوية، أو لها كفّتان.
ولا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق، أو هو الاستقامة المعنوية.
والغرض أنّه لا يشترط في تحقيق الإسلام معرفة أنّها من الأجسام...)4.

نعم، إنّ تلك العقيدة في البعث والمعاد على بساطتها هي التي جاء بها الدين الإسلامي، فإذا أراد الإنسان أن يتجاوزها إلى تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعاً للشبه ـ التي يثيرها الباحثون والمشككون بالتماس البرهان العقلي أو التجربة الحسية ـ فانّه إنّما يجني على نفسه، ويقع في مشكلات ومنازعات لا نهاية لها.

وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلِّمين والمتفلسفين، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو إلى أمثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثاً، والتي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين وأوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة.

والشبه والشكوك التي تثار حول تلك التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الإنسان عن إدراك هذه الأمور الغائبة عنّا، والخارجة عن أفقنا ومحيط وجودنا، والمرتفعة فوق مستوانا الأرضي، مع علمنا بأنّ الله تعالى العالم القادر أخبرنا عن تحقيق المعاد ووقوع البعث.

وعلوم الإنسان وتجريباته وأبحاثه يستحيل أن تتناول شيئاً لا يعرفه ولا يقع تحت تجربته واختباره إلاّ بعد موته وانتقاله من هذا العالم عالم الحس والتجربة والبحث، فكيف ينتظر منه أن يحكم باستقلال تفكيره وتجربته بنفي هذا الشيء أو إثباته؟ فضلاً عن أن يتناول تفاصيله وخصوصياته، إلاّ إذا اعتمد على التكهّن والتخمين، أو على الاستبعاد والاستغراب، كما هو من طبيعة خيال الإنسان أن يستغرب كل ما لم يألفه ولم يتناوله علمه وحسّه، كالقائل المندفع بجهله لاستغراب البعث والمعاد ﴿مَن يُحيي العِظامَ وَهَيَ رَميمٌ5.

ولا سند لهذا الاستغراب إلاّ انّه لم يرَ ميتاً رميماً قد أُعيدت له الحياة من جديد، ولكنّه ينسى هذا المستغرب كيف خلقت ذاته لأول مرة، ولقد كان عدماً، وأجزاء بدنه رميماً تألّفت من الأرض وما حملت، ومن الفضاء وما حوى، من هنا وهنا، حتى صار بشراً سوياً ذا عقل وبيان، ﴿أو لَم يَرَ الإنسان أنَّا خَلَقنَاهُ مِن نُطفَة فَإذَا هُو خَصِيمٌ مُبينٌ* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسي خَلقهُ6.

يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلق نفسه: ﴿يُحييها الَّذي أنشَأَهَا أوّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلق عَليمٌ7.

يقال له: إنّك بعد أن تعترف بخالق الكائنات وقدرته، وتعترف بالرسول وما أخبر به، مع قصور علمك حتى عن إدراك سرّ خلق ذاتك وسر تكوينك، وكيف كان نموّك وانتقالك من نطفة لا شعور لها ولا إرادة ولا عقل إلى مراحل متصاعدة مؤتلفاً من ذرات متباعدة، لتبلغ بشراً سوياً عاقلاً مدبّراً ذا شعور وإحساس.

يقال له: بعد هذا كيف تستغرب أن تعود لك الحياة من جديد بعد أن تصبح رميماً، وأنت بذلك تحاول أن تتطاول إلى معرفة ما لا قِبل لتجاربك وعلومك بكشفه؟

يقال له: لا سبيل حينئذ إلاّ أن تذعن صاغراً للاعتراف بهذه الحقيقة التي أخبر عنها مدبّر الكائنات العالم القدير، وخالقك من العدم والرميم.

وكلّ محاولة لكشف ما لا يمكن كشفه ولا يتناوله علمك، فهي محاولة باطلة، وضرب في التيه، وفتح للعيون في الظلام الحالك.

إنّ الإنسان مع ما بلغ من معرفة في هذه السنين الأخيرة، فاكتشف الكهرباء والرادار واستخدم الذرّة، إلى أمثال هذه الاكتشافات التي لو حدِّث عنها في السنين الخوالي لعدَّها من أوّل المستحيلات، ومن مواضع التندّر والسخرية.

إنّه مع كل ذلك لم يستطع كشف حقيقة الكهرباء ولا سر الذرّة، بل حتى حقيقة إحدى خواصهما وأحد أوصافهما، فكيف يطمع أن يعرف سر الخلقة والتكوين، ثم يترقّى فيريد أن يعرف سرَّ المعاد والبعث؟!.
نعم، ينبغي للإنسان بعد الإيمان بالإسلام أن يتجنَّب عن متابعة الهوى، وأن يشتغل فيما يصلح أمر آخرته ودنياه، وفيما يرفع قدره عند الله، وأن يتفكّر فيما يستعين به على نفسه، وفيما يستقبله بعد الموت من شدائد القبر والحساب بعد الحضور بين يدي الملك العلاّم، وأن يتّقي ﴿يوماً لا تَجزي نَفسٌ عَن نَفس شَيئاً وَلا يُقبَلُ مِنها شَفَاعَةٌ وَلا يُؤخَذُ مِنها عَدلٌ ولا هُم يُنصَرونَ8.

*عقائد الامامية ،الشيخ محمد رضا المظفر، ص: 166- 171.


1- القيامة: 3 ـ 4.
2- الرعد: 5.
3- ق: 15.
4- مقتبس من كتاب كشف الغطاء: للشيخ الكبير كاشف الغطاء.
5- يس: 78.
6- يس: 77 ـ 78.
7- يس: 79.
8- البقرة: 48.
2010-02-27