الخوف من الله عزّ وجل والحفظ من الشيطان
إضاءات إسلامية
إنّ أفضل آثار الخوف من الأضرار الأخرويّة هو حفظ المرء في مقابل الشيطان. فعندما يريد الشيطان أن يوسوس للإنسان ويدفعه إلى اقتراف المعصية فإنّه يُزيّنها في نظره بحيث يظنّ الإنسان أنّ فيها ألفَ درجة من اللذّة
عدد الزوار: 25"إنّ أفضل آثار الخوف من الأضرار الأخرويّة هو حفظ المرء في مقابل الشيطان. فعندما يريد الشيطان أن يوسوس للإنسان ويدفعه إلى اقتراف المعصية فإنّه يُزيّنها في نظره بحيث يظنّ الإنسان أنّ فيها ألفَ درجة من اللذّة. وإنّ العامل الوحيد الذي يُمكنه جعل المرء يصمد في وجه تزيينات الشيطان ويجعلها غير ذات أثر عليه هو حالة الخوف من التبعات السيّئة للذنب التي تتمثّل، بالدرجة الأولى، في العذاب الأخرويّ والحرمان من رضوان الباري عزّ وجلّ والسقوط من عين الله. فإنْ أردنا أن لا نقع في أشراك الشيطان إلاّ قليلاً، أو أن لا نقع على الإطلاق إن شاء الله، فإنّه يتعيّن علينا السعي وراء حالة الخوف الحقيقيّ. فإنّنا نتظاهر بالقول: إنّنا نخاف الله، لكنّنا عندما نتأمّل في الموضوع جيّداً نُلاحظ أنّ خوفنا من الله ليس جدّياً. ومن ناحية أخرى فنحن ندّعي رجاء رحمة الله تعالى. فبعض المذنبين يقولون تبريراً لأعمالهم القبيحة: "إنّ رحمة الله واسعة وسيغفر لنا. نحن نرجو رحمة الله"! ونفس هذه التبريرات هي من تسويلات الشيطان أيضاً. فطالما أكّد النبيّ الأعظم وأئمّة أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) على أنّ العديد من أشكال الخوف التي تدّعونها ليست هي من نوع الخوف الصادق، كما أنّ العديد من ألوان رجائكم ليست من صنف الرجاء الحقيقيّ، ولا بدّ أن تجتهدوا ليكون خوفكم ورجاؤكم صادقين. فإذا كان المرء يخشى شيئاً فسيُحاول الابتعاد عنه. فنحن نقول: إنّنا نخشى عذاب الله، لكنّنا نسعى لاقتراف الخطيئة. فأيّ خوف هذا؟! إنّه خوف كاذب. ومن جانب آخر فإنّنا ندّعي رجاء رحمة الله سبحانه. لكنّ الذي يرجو شيئاً فإنّه يحاول أن يبلغه بسرعة. وكلّما زاد رجاء المرء بشيءٍ مّا فسيزداد سعيه للوصول إليه. لكنّنا إذا لم نسع وراء أمر ما فذلك بسبب استبعادنا لحصول النتيجة منه. فلو كنّا نأمل حقيقةً أنّه سيُعطي النتيجة المرجوّة فسنبذل جهدنا للوصول إليه بسرعة. فالذي يدّعي الرجاء ثمّ لا يُمارس العبادة فهو يكذب، فكيف يبذل غاية المجهود لبلوغ الأمور الأخرى التي يُرجى نيلها في الدنيا في حين أنّه لا يبذل أدنى جهد للظفر برحمة الله تعالى على الرغم من قوله: إنّني أرجو رحمة ربّي؟! إذن فادّعاؤه هذا لا يعدو كونه كذباً".
يقول الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر: "وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق، وإيّاك والرجاء الكاذب فإنّه يوقعك في الخوف الصادق"[1]، فإن رُمتَ أن تُصان من شرّ الشيطان فعليك بالخوف الصادق وتجنّب الرجاء الكاذب! لأنّه يوقعك في موقف يستدعي منك الخوف الصادق. فإذا كان للمرء رجاء كاذب في شيء, كأن يقول: إنّني أرجو رحمة الله، ثمّ لا يسعى لكسبها، فسيوقعه هذا الرجاء الكاذب في فخّ المعصية التي ستجعله في موقف يستلزم منه خوفاً صادقاً، أي العذاب، وقد تكرّرت عبارة: "الخوف الصادق" في هذا المقطع مرّتين مع فارق بسيط بين الاثنين، فعندما يقول (عليه السلام): "وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق" فهو يقصد: حاول أن تستشعر خوفاً جدّياً، وعندما يقول: "وإيّاك والرجاء الكاذب فإنّه يوقعك في الخوف الصادق" فهو يريد: أنّ رجاءك الكاذب سيوقعك في فخّ الخطيئة التي ستجعلك في موقف يتطلّب منك خوفاً صادقاً. وكأنّ كلمة: "موقف" هي مقدّرة قبل عبارة: "الخوف الصادق" وقد حُذفت"[2].
* من كتاب: المهتدون- سلسلة الحياة الطيبة - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] ميزان الحكمة، محمد الريشهري-ج1-الصفحة 824.
[2] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزديّ(رضوان الله عليه) ألقاها في مكتب الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) في قم بتاريخ 18آب، 2011 م.