يتم التحميل...

كيف يبني المؤمن بصيرته؟

زاد عاشوراء

هناك عدّة عوامل تسهم في بناء بصيرة الإنسان وتساهم كذلك في زيادة قوّتها وفعاليتها، ومنها:

عدد الزوار: 23

هناك عدّة عوامل تسهم في بناء بصيرة الإنسان وتساهم كذلك في زيادة قوّتها وفعاليتها، ومنها:
 
1- قوّة العقل:
وهذا يحصل أوّلاً وبالذّات بالتعلّم والاستفادة من التجارب، والحجج والبيّنات لإجراء عمليّة التفكّر بالاستفادة من العلم والتجربة. والحقيقة أنّ ما يقوّي العقل هو إدامة التفكّر والتأنّي والتدبّر قبل أيّ عمل وبعده، أمّا قبله لمعرفة عواقبه وإمّا بعده لحفظ التجربة ووعيها للاستفادة منها في المستقبل كتغذية راجعة للعقل والفكر.
 
ولذا جاء عن الاستفادة من التجربة: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين"[1] .
 
2- التفقّه في الدّين:
عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم  (عليهما السلام): "تفقهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدّين والدّنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملاً"[2].
 
والتفقّه في الدّين معناه معرفة العقائد الحقّة وأدلّتها التي تورث اليقين إضافة إلى تعلّم الأحكام الشرعيّة. فإنّ ذلك يوسّع آفاق الإنسان ويقوّي عقله بقوّة يقينه.
 
3- المعرفة بالزمان وأهله:
لا شكّ أنّ جهل الإنسان بأخلاق وطبائع وعادات وأعراف أهل زمان ما ومكان ما قد يكون سبباً في انخداع الإنسان، أو تشوّش الصورة عنده، والتباس الأمور عليه، بينما معرفة الإنسان بالنّاس وعاداتهم وثقافاتهم وحتّى مفردات تخاطبهم وأفكارهم ومذاهبهم الفكريّة والسياسيّة والعقائديّة وغير ذلك يحميه من الانخداع، وفي الحديث عن جعفر الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"[3].
 
فاللوابس يقصد بها الأمور المبهمة والملتبسة التي تحصل نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب القدرة على التشخيص، فإذا علم الإنسان بطبيعة الزمان وأهله، أي بالعصر ولغته وثقافته وإيقاعه اتّضحت الرؤية وزال ما يشوب المشهد من ضباب، وانجلت أمام العقل والفكر الصورة.
 
4- تعويد النّفس على التعامل مع الأدلّة والبراهين:
ذلك أنّ أصحاب البصائر يفترض أن يكونوا أصحاب عقول لا يحكمون إلّا عن دليل ولا يتحرّكون إلّا عن وعي وفهم، ولذا لا يسلّمون ولا يقبلون بكلّ مقولة إلّا بعد الدليل والبرهان، ولذا اشتهر على ألسنة علماء الشيعة وفي مدوّناتهم القول: "نحن أتباع الدليل أينما مال نميل".[4]
 
5- عدم الانخداع ببريق الأسماء ورنين البيان:
على الإنسان لكي يكتسب البصيرة أن لا يؤخذ بأسماء القائلين ولا بسحر البيان وخصوصاً أساليب الترويج الذي يعتمده الإعلام المضلّل في هذا الزمان. وكلّ ذلك يمكن استفادته ممّا روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "لا يعرف الحقّ بالرّجال، اعرف الحقّ تعرف أهله"[5].
 
6- تقوية الصلة بالله تعالى:
إذ إنّ الله تعالى هو مصدر كلّ النّعم ظاهرها وباطنها، صغيرها وجليلها والذي يقوّي صلته به تعالى ويوثّقها يعني أنّه اقترب من مصدر كلّ خير وكلّ نعمة، وممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّ من كان قريباً منه تعالى يفيض الله عليه من بركاته، وليس أفضل من البصيرة معيناً للإنسان في دنياه وفي آخرته، فإنّ الإنسان في الدّنيا بالبصر وفي الآخرة وأمورها بالبصيرة.
 
ومن جملة تقوية الصلة بالله تعالى، كلّ ألوان العبادة، والدعاء، والمناجاة، والحكيم هو من قرن بين تقوية الصلة به تعالى وطلب أن يكون الأثر هو البصيرة في العبادة وفي غيرها، وهذا ما علّمنا إيّاه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) إذ إنّه كان من دعائه: "اللهمّ وثبّت في طاعتك نيّتي، وأحكم في عبادتك بصيرتي"[6].
 
* من كتاب: زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني – سلسلة زاد عاشوراء- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 19، ص 346.
[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 321.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 27.
[4] الانتصار، العاملي، ج1،ص 397.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 40، ص 126.
[6] الصحيفة السجّاديّة، دعاء التوبة، رقم 31.

2025-10-13