مقام الصابرين والمـُحسنين في القرآن الكريم
زاد عاشوراء
لقد أورد الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من القصص ليثبّت به قلب النبيّ وقلوب المؤمنين، ومن النماذج التي ذكرها لتكون أسوة لهم الربيّون حيث قال تعالى عنهم:
عدد الزوار: 153لقد أورد الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من القصص ليثبّت به قلب النبيّ وقلوب المؤمنين، ومن النماذج التي ذكرها لتكون أسوة لهم الربيّون حيث قال تعالى عنهم: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[1] .
لقد اختار الله لمجموعة المؤمنين حقّاً بالأنبياء ورسالاتهم اسماً خاصّاً هو الربيّون، وفي معنى هذا الاسم والوصف قال صاحب تفسير الميزان: الربيّون جمع ربّيّ وهو كالربّانيّ، من اختصّ بربّه تعالى فلم يشتغل بغيره.
فهم على ذلك مخلصون له في الإيمان بالرسل والرسالات، ومتفاعلون معها بالإعانة للرسل في مهامهم وتحمّل مشاقّ هذه المعونة، ومن جملة هذه المعونة القتال والجهاد.
الحبّ الإلهيّ عاقبة الجهاد:
لقد ذكرت الآيات مرتبتين للحبّ الإلهيّ الذي حصل عليه المخلصون لله في إيمانهم ذلك الإيمان الذي يتجلّى في تحمّل مسؤوليّة الدفاع عن الرسل والرسالات بالأنفس قتالاً، والمقامان هما:
1- مقام الصابرين:
تشير الآيات إلى أنّ الربيّين بادروا إلى القتال وكان من مواصفات قتالهم:
- القتال تحت قيادة القائد الإلهيّ: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾.
- الثبات المعنويّ والنفسيّ والروحيّ، ولذا فقد نفى الله عنه الوهن، حيث لم يؤثّر في حماسهم ومعنويّاتهم، وروحيّتهم، وبالتالي عزائمهم معاناة الجهاد ومشاقّه وتكاليفه حيث قال تعالى: ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ...﴾ ليضيف بما يشبه التحليل أنّ ذلك: ﴿...فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ فهم لا تضعف معنويّاتهم لأنّ ما يصيبهم هو سبيل الله.
- عدم الضعف الماديّ: فكما أنّ أرواحهم وأنفسهم لا تضعف كذلك أبدانهم لا تضعف في ميادين المواجهة.
- لا يتوقّفون عن الحركة: فتحمّلهم لما يصيبهم من أهوال القتال وآلام الجراح وغير ذلك لا يعني فقط الصمود بعدم التراجع والثبات، وإنّما بدوام الحركة باتّجاه الأهداف والمواقع، ولذا قال تعالى: ﴿...وَمَا اسْتَكَانُو﴾.
نتيجة هذا كلّه ينالون حبّ الله لأنّهم بعدم الوهن وعدم الضعف ودوام الحركة قد وفّقوا لتحقيق صفة الصبر التي تجعلهم محبوبين لله تعالى إذ قال: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ .
.ثمّة درجة أرقى من الصبر ومنزلة حبّ إلهيّ أعلى من محبّة الصابرين وهي للمحسنين وفي ذلك نستفيد من الآيات ما يلي:
- الصبر: يفتح باب الموفّقيّة لدعائه تعالى، أو أنّ الله أراد الإشارة أنّ مكابدة آلام القتال وأهواله لم تنس هؤلاء الله بل كان سبباً في توجّههم إليه في الدعاء وهذا ما يشعر به قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ...﴾ أي أنّهم لم يتذمّروا ويسيؤوا الظنّ به تعالى بل لجؤوا إليه بالدعاء.
- التوجّه إلى ربوبيّة الله ومدبّريّته ونسبة أنفسهم إلى ربوبيّته، فهم مربوبون ولهم ربّ هو الله وإليه من هذا الموقع يتوجّهون.
- يحذرون ممّا يمنع من استجابة الله للدعاء: لذلك يقدّمون طلب المغفرة تواضعاً أوّلاً، وثانياً لإزالة المنفّرات عن سماع المولى لدعائه وهي روائح الذنوب.
- بعد رفع موانع الإجابة يطلبون الحاجة وهي النّصر والتثبيت، وفي ذلك حكمة منهم واضحة فقد طلبوا التثبيت وعدم الانهزام، ثمّ عقّبوا ذلك بطلب النّصر فقالوا: ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
- نتيجة الجهاد والصبر والدعاء يوجد أمور ثلاثة:
1- ثواب الدنيا وهو التثبيت والنّصر.
2- حسن ثواب الآخرة.
3- الحبّ الإلهيّ.
* من كتاب: زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني ١٤٣٧ هـ - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية: 146- 148.
2025-08-11