ثلاث وصايا من أريج الصلاة
الصلاة
إنّ أسمى هدفٍ يطمح إليه النظام الإسلاميّ هو تربية الناس العظماء ذوي الفضل، وبناء الفرد والمجتمع على صعيدي الجسم والروح، وفي كلا الجانبين الماديّ والمعنويّ، وبسط جناحي تسامي الإنسان وتكامله.
عدد الزوار: 27الصلاة عمود الدين
إنّ أسمى هدفٍ يطمح إليه النظام الإسلاميّ هو تربية الناس العظماء ذوي الفضل، وبناء الفرد والمجتمع على صعيدي الجسم والروح، وفي كلا الجانبين الماديّ والمعنويّ، وبسط جناحي تسامي الإنسان وتكامله.
ومن هنا، تكتسب العبادات، وعلى رأسها "الصلاة"، هذا القدر من الأهمّية، وتُسمّى (الصلاة) عمود الدين. فالصلاة حينما تؤدّى بانتباهٍ وبحضورِ قلبٍ لا يقتصر تأثيرها على ما تغرسه في قلب المصلّي وروحه، وإنّما يتّسع مداها ليملأ الأجواء المحيطة به نوراً وشذًى يسري أريجه إلى رحاب البيت والأسرة، وإلى محلّ العمل ومجلس الأصدقاء، وإلى كلّ ربوع مدينته، بل، وكلّ آفاق الحياة.
كلّما ازداد المصلّي ذكراً وخشوعاً، تتبدّد من حوله ظلمات الأنانيّة والأحقاد، والاستبداد، ويضمحلّ الشحّ والبخل، ويرتفع العدوان والحسد، ويسطع نور الفلاح على جبين الحياة.
كلّ الوقائع المريرة في حياة الإنسان تعود جذورها إلى الغفلة عن ذكر الله والانغلاق في حدود المصالح الذاتيّة. والصلاة تطلق الإنسان من أسوار هذه الظلمات، وتحرّره من أغلال الشهوة والغضب، وتسمو به نحو الحقيقة المتعالية والخير الأشمل[1].
الصلاة أعظم الفرائض
إنّ الصلاة في مضمار البحث الدائم (الأبديّ) والذي لا مفرّ منه والمأمور به الإنسان بل المجبول عليه هي أعظم الفرائض وأكثرها تأثيراً، ولعلّ البعض عرّف هذه الخصوصيّة فقط في ميدان السعي الفرديّ نحو الكمال، ولم يسمع بدورها في ميدان الجهاد الجمعيّ والاجتماعيّ في مواجهة القوى الدنيويّة المناهضة. لذا، ينبغي أن نعرف أنّ المروءة والثبات، في المواجهات المختلفة، مرتبطان بكون القلوب والإرادات مليئة بالصفاء والتوكّل والثقة بالنفس والأمل بحسن العاقبة[2].
الصلاة مظهر العبادة الكامل
الحمد لله الذي جعل الأفئدة النيّرة الطاهرة ترنو إلى الصلاة وإلى إشاعتها وإقامتها، وبثّ فيها لهفة المجاهدة والسعي الحثيث في هذا السبيل.
لقد تلخّصت ثمرة مساعيكم الحكيمة خلال هذه السنوات بأن أصبح للصلاة وهي المظهر الكامل للعبادة والمناجاة والدعاء والمحبّة والإيمان بالمحبوب الفطريّ لعالم الوجود إشعاعٌ أكثر إشراقاً، وحضورٌ أكثر جلاءً في ذهن مجتمعنا الإسلاميّ وسلوكه.
والحمد لله، فقد أضحت الصلاة اليوم في الكثير من الأماكن التي يجتمع فيها الناس، ولا سيّما مراكز تجمّع الشباب كالمدارس، والجامعات، والمعسكرات، والمتنزّهات، والمؤسّسات الحكوميّة، والطرق، وغيرها، ظاهرة مشهودة وبارزة تقرّ بها العيون والأفئدة، وتعرض في وسائل الإعلام وفي الكتب والدروس والبرامج الفنيّة والإعلاميّة الكثير من الكتابات والكلمات بشأن الصلاة، ممّا يجعل أذهان الكثير من الناس وقلوبهم تهفو إلى هذا التكليف العذب اللطيف، ويحدوها الشوق إلى إقامتها.
لا ينبغي الشكّ في أنّ هذا هو طريق النجاح والتوفيق في جميع المهامّ الفرديّة والاجتماعيّة، وهو الطريق نحو السعادة والفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[3].
ما أكثر الأفراد والجماعات الذين بلغوا قمم التسامي والكمال بمعرفتهم لأهميّة ومكانة الذكر والخشوع والإنابة، التي تعدّ الصلاة مظهرها الكامل، وإرفاقها بالعمل والإبداع الدنيويّ؛ وما أكثر السذج وقصيري النظر الذين حرموا أنفسهم من السعادة الكاملة بالغفلة عن هذا السرّ العظيم في الوجود، سواء من خلال الانغماس في العمل الماديّ أو في أوقات الفراغ والكسل، وأينما حلّوا هووا بأنفسهم في مستنقع الحرمان والإخفاق بشكل أو بآخر.
فالناس الذين جعلوا مساعيهم وجهودهم في ميدان الحياة الإنسانيّة مشفوعة بذكر الله، والأنس به، وعشقه، يدركون المعنى الحقيقيّ للسعادة، وتنالها أجسادهم وأرواحهم.
أنتم أيّها الإخوة والأخوات، الذين عقدتم العزم على الاهتمام بأمر الصلاة، إنّما تؤدّون في هذا الطريق أكبر خدمة لشعبكم وبلدكم، ولا شكّ أنّ شعبنا سيجني من خلال معرفته للصلاة والعمل بها فوائدَ كبرى في جميع مجالات حياته.
لقد قدّم لي المسؤولون المحترمون عن إقامة الصلاة تقريراً يبعث على الأمل بشأن تنفيذ الوصايا السابقة بخصوص الصلاة. وإنّني أُقدِّم الشكر لكم ولجميع القطاعات التي أنزلت تلك الوصايا إلى حيّز التنفيذ[4].
* من كتاب: من أعماق الصلاة، الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظلّه) - جمعية المعراج لإقامة الصلاة
[1] رسالة الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) إلى المؤتمر الثامن للصلاة 1419هـ.
[2] رسالة الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) إلى المؤتمر السنوي الثالث للصلاة، المنعقد في مدينة بابلسر 1414هـ.
[3] القرآن الكريم، سورةالمؤمنون: 1و2.
[4] رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي لإقامة الصلاة، المنعقد في مدينة زنجان 1417هـ.