مفهوم الاستبدال في القرآن الكريم
النصر الإلهي
ورد في القرآن العديد من الآيات التي تتحدّث عن الاستبدال كفعل منسوبٍ إلى الله تعالى، ومفعوله هو المسلمون في لغةٍ أشبه بالتهديد، وكأنّها دعوة إلى المسلمين أن لا يحسبوا أنّهم القناة الوحيدة لتحقيق إرادة الله تعالى، بل هم إحدى القنوات التي تمرّ من خلالها المشيئة الإلهيّة التي لا بدّ من أن تتحقّق إذا أراد الله لها أن تتحقّق، من هذه الآيات:
عدد الزوار: 230
ورد في القرآن العديد من الآيات التي تتحدّث عن الاستبدال كفعل منسوبٍ إلى الله تعالى، ومفعوله هو المسلمون في لغةٍ أشبه بالتهديد، وكأنّها دعوة إلى المسلمين أن لا يحسبوا أنّهم القناة الوحيدة لتحقيق إرادة الله تعالى، بل هم إحدى القنوات التي تمرّ من خلالها المشيئة الإلهيّة التي لا بدّ من أن تتحقّق إذا أراد الله لها أن تتحقّق، من هذه الآيات:
- قوله تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾[1].
- وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[2].
ووجه الربط بين هاتين الآيتين وبين بحث النصر واضحٌ، إذ إنّ كلتاهما وردت في سياق التحريض على نصرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي سياق حثّ المسلمين على الإمساك براية التوحيد بقوّة.
- وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[3].
حول تفسير آية ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[4].
تحذّر الآية الكريمة أنّ كلّ من يرتدّ عن دين الله تعالى والإيمان الصادق به وبتعاليمه وبأنبيائه ورسله، فلا يطيعه في أمره ولا يلتزم بأحكامه ولا يعمل بإرادته، بل يستغني ويتولّى معرضاً عن الدين الحنيف والملّة الحقّة، فسوف يستبدل الله به من هو أحقّ منه بهذه المكرمة، ممّن يحبّون الله ويحبّون أن يعبد في أرضه، ولا يرتدّون عن تعاليم وأحكام دينه، ولا يتخلّفون عن الجهاد والتضحية بكلّ ما يملكون في سبيله، بل يقبلون على الجهاد بصدر رحب وقلب مستبشر بلقاء الله ورضوانه، ولا يخافون من لوم الناس والمنافقين اللائمين لهم عند أدائهم لواجباتهم والدفاع عن الحقّ، لأنّهم على ثقة بالله وبأنّهم على دين الحقّ. وعليه فإنهم لن يضرّوا الله شيئاً بل المتضرّر هم المنافقون والمرتدّون لأنهم حرموا من هذا الفضل العظيم والنعمة الكبرى.
تتحدّث الآية الكريمة عن المرتدّين الذين تنبّأ القرآن بارتدادهم عن الدين الإسلاميّ الحنيف. وهذه الآية أتت بقانون عام يحمل إنذاراً لجميع المسلمين، فأكّدت أنّ من يرتد عن دينه فهو لن يضر اللّه بارتداده هذا أبداً، ولن يضرّ الدين ولا المجتمع الإسلاميّ أو تقدّمه السريع، لأنّ اللّه كفيل بإرسال من لديهم الاستعداد لحماية هذا الدين، حيث تقول الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ﴾ ثمّ تتطرق الآية إلى صفات هؤلاء الحماة الذين يتحملون مسؤولية الدفاع العظيمة، وتبيّنها على الوجه التّالي:
1- إنّهم يحبّون اللّه ولا يفكرون بغير رضاه، فاللّه يحبّهم وهم يحبّونه، كما تقول الآية: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
2 و3- يبدون التواضع والخضوع والرأفة أمام المؤمنين، بينما هم أشداء أقوياء أمام الأعداء الظالمين حيث تقول الآية: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
4- إنّ شغلهم الشاغل هو الجهاد في سبيل اللّه، إذ تقول الآية: ﴿يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
5- وآخر صفة تذكرها الآية لهؤلاء العظام، هي أنّهم لا يخافون لوم اللائمين في طريقهم لتنفيذ أوامر اللّه والدفاع عن الحق، حيث تقول الآية: ﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾، فهؤلاء بالإضافة إلى امتلاكهم القدرة الجسمانية، يمتلكون الجرأة والشّجاعة لمواجهة التقاليد الخاطئة، والوقوف بوجه الأغلبية المنحرفة التي اعتمدت على كثرتها في الاستهزاء بالمؤمنين.
وهناك الكثير من الأفراد المعروفين بصفاتهم الطيبة، لكنّهم لا يبدون الكثير من التحفظ أمام الفوضى السائدة في المجتمع وهجوم الأفكار الخاطئة لدى سواد الناس أو من الأغلبية المنحرفة، ويتملّكهم الخوف والجبن، وسرعان ما يتركون الساحة ويخلونها للمنحرفين، في حين أنّ القائد المصلح ومن معه من الأفراد بحاجة إلى الجرأة والشهامة لتطبيق أفكارهم واصلاحاتهم. وعلى عكس هؤلاء فالذين لا يمتلكون هذه الصفات الروحية الرفيعة، يقفون سدّا وحائلاً دون حصول الإصلاحات المطلوبة.
وتؤكّد الآية في الختام على أنّ اكتساب أو نيل مثل هذه الامتيازات السامية (بالإضافة إلى الحاجة لسعي الإنسان نفسه) مرهون بفضل اللّه الذي يهبها لمن يشاء، ولمن يراه كفؤا لها من عباده، حيث تقول الآية في هذا المجال: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ﴾.
وفي النهاية تبيّن الآية أنّ مجال فضل اللّه وكرمه واسع، وهو يعرف الأكفاء والمؤهلين من عباده، كما تقول الآية: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
* من كتاب: النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] القرآن الكريم، سورة محمد، الآية 38.
[2] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 39.
[3] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 54.
[4] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 54.