يتم التحميل...

فصل السياسة عن الأخلاق والقيم العالية

أبحاث ومفاهيم

يفصل البعض، من ناحية، الدين عن السياسة ويعتبر البعض من ناحية أخرى أنّ الإسلام هو محض السياسة، ولعب الأدوار السياسيّة والاشتغال بها، ويغضّون الطرف عن الأخلاق والمعنويّات،

عدد الزوار: 93

يفصل البعض، من ناحية، الدين عن السياسة ويعتبر البعض من ناحية أخرى أنّ الإسلام هو محض السياسة، ولعب الأدوار السياسيّة والاشتغال بها، ويغضّون الطرف عن الأخلاق والمعنويّات، والمحبّة والفضيلة والكرامة، التي هي من أعظم أهداف بعثة نبيّنا، هذا مصداق للآية الكريمة ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾[1] والآية ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾[2]. إنّ اختصار الإسلام في العبارات السياسيّة البرّاقة والمعسولة، الغفلة عن خشوع القلوب، وغضّ الطرف عن الذكر، عن الصفاء، عن المعنويّات، عن الخضوع لله، عن الدعاء لله، عن الارتباط بالله، عن البكاء من خشية الله، عن طلب الرحمة الإلهيّة، عن الصبر والحلم والسخاء والجود والعفو والإخوّة وصلة الرحم، ومحض الالتصاق بالسياسة وذلك - أيضًا - باسم الإسلام، هو الانحراف بعينه، لا يفرق عنه أبدًا[3].
 
منذ أن فصلت الأمّة الإسلاميّة الدين عن الدولة، والأخلاق عن إدارة المجتمع، ابتليت بعدم التوازن. ومنذ ذلك اليوم الذي رفع فيه الملوك، تحت مسمّى "الخلفاء"، علم الإسلام في بغداد وفي الشام، وفي هذه الناحية من العالم، وتلك، ولكنّهم أدخلوا تحته الأهواء النفسانيّة، والشهوات والأهداف الشخصيّة، والتكبّر، وغرور الملوك، وادّخار الأموال، وجمع الثروات وتحويلها إلى خزائنهم، وانشغلوا بهذه الأمور- تهيّأت الأرضيّة لانحطاط العالم الإسلاميّ. مع أنّ نبيّ الإسلام الأكرم وأصحابه العظام وأنصاره المجاهدين، كان بحركة تتقدَّم بالإسلام بسرعة، حيث كانت مهارة النبيّ تتقدّم بحركة الإسلام السياسيّة والعلميّة إلى القرنين الرابع والخامس الهجريّين ـ في تلك الأثناء، كانت بذور الضعف والانحطاط والفساد والنفاق، تُنثَر في البلاطات وفي الأسر الحاكمة، وكانت تلك نفس البذور التي نمت، وشلّت الأمّة الإسلاميّة، (و) ها نحن، الآن، نتحسّس نتائجها بكلّ وجودنا وكياننا[4].
 
تبدّل المعايير وإضعاف القيم
أيّ حادثة جرت في التاريخ والمجتمع الإسلاميّ وأيّ جرثومة نفذت إلى جسد هذا المجتمع! ذلك المجتمع الذي تربّع على رأسه شخص مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وليس إنسانًا عاديًّا - وقد حكم هذا الرسول عشر سنوات بتلك القوّة البشريّة الاستثنائيّة، من خلال الارتباط بمصدر الوحي الإلهيّ الدائم، والحكمة اللامتناهية والمنقطعة النظير التي كان يتمتّع بها، وبعدها بسنوات، سادت حكومة عليّ بن أبي طالب عليه السلام مجدّداً على هذا المجتمع، وقد كانت المدينة والكوفة، على التتالي، مقرًّا لهذه الحكومة العظيمة، فإذا بعد مرور نصف قرنٍ على وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعشرين سنةً على شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، يُقتل شخصٌ مثل الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) على تلك الحال، في هذا المجتمع نفسه، وبين هؤلاء الناس أنفسهم ؟[5].
 
سبب أفول العظمة
عندما تُفقَد المعايير، وتضعف القيم، وعندما تصبح الأشكال الخارجيّة خاوية، ويغلب حبّ الدنيا وحبّ المال، على الناس، الذين قضوا عمرًا مفعمًا بالعظمة، وسنوات من عدم الاعتناء بزخارف الدنيا، واستطاعوا رفع تلك الراية العظيمة-حينها يصبح شخص مثل (كعب الأحبار)، في عالم الثقافة والمعارف، أمينًا على المعارف الإلهيّة والإسلاميّة، ذلك الحديث العهد بالإسلام، والذي يقول ما يفهمه لا ما يقوله الإسلام، حينها ستتوجّه إرادة البعض إلى تقديم قوله، على كلام ذوي الخبرة من المسلمين[6].
 
 
* من كتاب تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1]  القرآن الكريم،سورة الحجر، الآية 91.
[2]  القرآن الكريم،سورة النساء، الآية 150.
[3] خطاب الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (31/5/1385).
[4] خطاب الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (31/5/1385).
[5] خطاب الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في لقاء جمع من حرس الثورة الإسلاميّة (5/10/1374).
[6] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/2/1377).

2025-02-10