يتم التحميل...

وعد بلفور المشؤوم واحتلال فلسطين

أبحاث ومفاهيم

في واقعنا المعاصر، يشكّل وعد بلفور وما تلاه من أحداث ومواقف إزاءه وإزاء ما نتج عنه، تجسيداً عمليّاً لمسألة القيام بالتكليف من عدمه. ففي بدايات القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الأولى، جاء الإنكليز وسيطروا على فلسطين، وقسّموا المنطقة مع الفرنسيّين، واتخذوا قراراً بأن يعطوا فلسطين لليهود ويجعلوها وطناً قوميّاً لهم ، فقدّموا وعداً لليهود بأن يعطوهم فلسطين ليقيموا عليها دولتهم القوميّة.

عدد الزوار: 87

في واقعنا المعاصر، يشكّل وعد بلفور وما تلاه من أحداث ومواقف إزاءه وإزاء ما نتج عنه، تجسيداً عمليّاً لمسألة القيام بالتكليف من عدمه. ففي بدايات القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الأولى، جاء الإنكليز وسيطروا على فلسطين، وقسّموا المنطقة مع الفرنسيّين، واتخذوا قراراً بأن يعطوا فلسطين لليهود ويجعلوها وطناً قوميّاً لهم ، فقدّموا وعداً لليهود بأن يعطوهم فلسطين ليقيموا عليها دولتهم القوميّة.

وعلى مرأى ومسمع من العرب والمسلمين، بدأ جلب اليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين، وبدأ تشكيل المنظّمات والعصابات والسيطرة على القرى، واحتلال المزارع... وكل ذلك كان أمام نظر العالمَين العربيّ والإسلاميّ، بل كان العالم العربيّ آنذاك غارقاً في أمر آخر تماماً، فالعرب كانوا قد فرغوا للتوّ من معركتهم مع الدولة العثمانية، وكانوا يريدون إقامة وطن عربي، فخدعهم الإنكليز والفرنسيّون، وخدعوا زعماءهم في ذاك الوقت، واعدين بمنحهم دولة عربيّة.

في تلك المرحلة، انطلت حيلة الإنكليز على كبار السياسيّين العرب، مثل الشريف حسين في مكّة، وكبار السياسيّين في العالمَين العربيّ والإسلاميّ، ولذلك ذهب البعض من هؤلاء، بشكل أو بآخر، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وقاتل في الجبهة المقابلة، ومكّنوا الإنكليز من السيطرة على بلادنا.

المرجعيّة الرشيدة
هذا، في الوقت الذي يسجّل التاريخ موقفاً تاريخيّاً واعياً عظيماً وكبيراً للمرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف وفي كربلاء المقدّسة، التي أمرت بقتال المحتلّ البريطانيّ - وهنا نتحدّث عن التكليف الشرعيّ والتكليف الإلهي -، وطالبت بالقتال إلى جانب الدولة العثمانيّة، التي ظلمت، واضطهدت، ونكّلت بهؤلاء في العراق، ومع ذلك كانت هذه المرجعيّة واعية ومدركة لمخاطر الاحتلال وسيطرة المشروع الاستعماري الكبير، فكان لا بدّ من مواجهته. لكن الأمّة – وقتها - كانت غافلة عن ذلك، وكان الناس في العالمَين العربي والإسلاميّ غافلين أيضاً. وكذلك في لبنان، إذ كانت هناك غدّة سرطانيّة، ووحش يتأسّس في جوارهم في فلسطين، واللبنانيون منقسمون، بعضهم يريد أن يبقى لبنان مع الوطن القومي العربي، وآخرون يريدونه وطناً مستقلاًّ، و"إسرائيل" الوحش تنشأ في جوارنا، وعلى حدودنا.

العرب وصمتُهم المشؤوم
في هذه الظروف، أدّت فئة قليلة مسؤوليّتها، أما معظم الأمّة فلم يتحمل المسؤوليّة، فكانت النتيجة قيام "دولة إسرائيل".

إنّ شعوب منطقتنا - الشعب الفلسطيني أوّلاً، ويليه الشعب اللبناني، ثمّ شعوب المنطقة - ما زالت تعاني من طغيان "إسرائيل"، واستبدادها وفسادها وإفسادها، واستعلائها، وهي التي تهدد كل يوم بشنّ الحروب وارتكاب المجازر والتدمير، حتّى وصلت الأمور إلى أن "إسرائيل" باتت - تحت أعين العرب والمسلمين - تملك أسلحة نوويّة.

ومن المؤسف أنّنا لا نسمع في خطابات بعض "العربان" في الأمم المتحدة أي إشارة شجب أو إدانة في مسألة تملّك "إسرائيل" أسلحة نوويّة، بل على العكس نسمعهم يطالبون بإلزام إيران بتنفيذ الاتفاق النوويّ، ولا يعلمون - لانشغالهم بفسادهم وفجورهم - أنّ الوكالة الدولية للطاقة النووية والدول التي اجتمعت، قد شهِدت وسلّمت بأنّ إيران ملتزمة بدقّة بالاتفاق النوويّ. إذاً، أصبح لدى "إسرائيل" سلاح نوويّ - والحصول على هذا السلاح لا يتيسّر بمدّة وجيزة -، وهي تزداد قوّة يوماً بعد يوم منذ نشوئها، والعرب والمسلمون ينظرون إلى ذلك.


* من كتاب: وفاء وإباء، دروس من عاشوراء، سلسلة محاضرات لسماحة الشهيد السيد حسن نصر الله(رضوان الله عليه) - دار المعارف الإسلامية الثقافية

2025-11-03