يتم التحميل...

الخطاب الثقافي التبليغي رقم (40)

الخطاب الثقافي التبليغي

رأس الحكمة مداراة الناس

عدد الزوار: 7

الخطاب الثقافي التبليغي رقم (40): رأس الحكمة مداراة الناس

عن رسول الله (ص): «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ فِي غَيْرِ تَرْكِ حَقٍّ‏».

المداراة ملاينة الناس وحُسن صحبتهم واحتمالهم؛ لئلّا ينفروا عنك. وتكون المداراة في حُسن الخُلق وحُسن المعاشرة مع الناس، وقد ورد الكثير من الروايات التي تشير إلى أهمّيّتها وقيمتها في الإسلام، عن رسول الله (ص): «أمَرَني ربّي بمداراة الناس كما أمَرَني بأداء الفرائض»، وقد عدّها أمير المؤمنين (ع) رأس الحكمة ونصف العقل: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مُدَارَاةُ النَّاسِ»، «مداراة النّاس نصف العقل».

ومما يبيّن أهمّيّة هذه القيمة الاجتماعية أيضاً وعلوّ قيمتها، أنّ الله سبحانه منح المُداري أجر الشهيد، عن رسول الله (ص): «مَنْ عَاشَ مُدَارِيًا مَاتَ شَهِيدًا»، وغير ذلك الكثير من الروايات.

وثمّة فرقٌ بين المداراة والمداهنة، فالمُداراةُ صِفةُ مَدحٍ، والمُداهَنةُ صِفةُ ذَمٍّ، والمُداري يتلَطَّفُ بصاحِبِه حتّى يستخرِجَ منه الحَقَّ، أو يَرُدَّه عن الباطِلِ، والمداهِنُ يتلطَّفُ به ليُقِرَّه على باطِلِه، ويترُكَه على هواه...

وتوجد الكثير من المواضع التي ينبغي للمؤمن تحقيق هذه القيمة الاجتماعيّة فيها، فضلاً عن عموم الناس، فالمداراة تكون:

1. في الدَّعوةِ إلى اللهِ: قال تعالى لموسى وهارونَ (ع): ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.

2. مع الوالِدَينِ: قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفً﴾.

3. مع الزوجة: عن الإمام الصادق (ع): «قال رسول الله (ص): إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ مَثَلُ الضِّلْعِ الْمُعْوَجِّ، إِنْ تَرَكْتَهُ انْتَفَعْتَ بِهِ، وَإِنْ أَقَمْتَهُ كَسَرْتَهُ».

وقد تجسّدت هذه الصفة في شخصيّات المعصومين (ع) والأولياء والصالحين، فهذا الرسول الأعظم (ص) كان قمّةً في الصبر وتحمّل الناس ومداراتهم على اختلاف قبائلهم ومناطقهم ومستوياتهم الفكريّة والاجتماعيّة...

وكذا كان الأئمّة الأطهار (ع)، فعن سفيان بن عُيينة، قال: قلت للزهريّ: لقيتَ عليّ بن الحسين (ع)؟ قال: نعم، لقيته، وما لقيتُ أحداً أفضل منه. والله، ما علمتُ له صديقاً في السرّ ولا عدوّاً في العلانية، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أرَ أحداً -وإن كان يحبّه- إلّا وهو لشدّة معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً -وإن كان يبغضه- إلّا وهو لشدّة مداراته له يُداريه.

2024-11-20