الخطاب الثقافي التبليغي رقم (35): مودة القلوب
عن الإمام محمد الباقر أنه جاء في وصية أمير المؤمنين علي لبنيه: «يَا بَنِيَّ، إِنَّ اَلْقُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، تَتَلَاحَظُ بِالْمَوَدَّةِ، وَتَتَنَاجَى بِهَا وَكَذَلِكَ هِيَ فِي اَلْبُغْضِ»
تربّي العقيدة الاِنسان المسلم على الشعور الاجتماعي ، شعور الفرد نحو غيره ، فيتجاوز دائرة الذات إلى دائرة أرحب هي دائرة العائلة، ثم تتسع اهتماماته لتشمل دائرة الجوار، ثم أبناء بلدته ، وبعدها أبناء أمته.
نقلت العقيدة أفراد المجتمع من حالة التنافس والصراع إلى حالة التعارف والتعاون. قال تعالى : يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقناكم مِن ذَكرٍ وأُنثى وجَعلنكُم شُعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرمَكُم عند اللهِ أتقكُم.... فالأصل في دين الإسلام أنه دينُ تجمّعٍ وألفة، لا دينَ عزلةٍ وفرارٍ من تكاليف الحياة، ولم يأت القرآن ليدعو المسلمين إلى الانقطاع والعبادة في صومعة، بعيداً عن مشاكل الحياة والناس ومتطلّباتها. بل إنّ نزعة التعرّف والخدمة إلى الناس والاختلاط بهم أصيلة في تعاليم هذا الدين.
وقد بيّن الرسول(ص) أنّ الفضل لمن خالط الآخرين وتعرَّف عليهم ولم يتقوقع على نفسه، فالمؤمن الذي يجتمع مع الناس ويخالطهم ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. كما حثَّ القرآن الناس على التعاون، قال تعالى: (وتعاونُوا على البرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الاِثمِ والعُدوانِ).
ومن ينتمي إلى الدين، ويريد الدعوة إلى نهج الحقّ الذي يؤمن به، عليه أن يكون حريصًا على رعاية مشاعر الآخرين، ليجتذبهم إلى الدين بحسن تعامله معهم، وإلّا فسيكون سببًا لتنفير الناس من الدين، إن أساء التعامل مع الآخرين، واستفزّ مشاعرهم، خاصة إذا كان ذلك ضمن أساليب دعوته الدينية.
من هنا كان أئمة أهل البيت يؤكّدون على شيعتهم وأتباعهم، أن يكونوا مهتمّين بمشاعر الآخرين غير المنتمين لمدرسة أهل البيت ، وأن يتعاملوا معهم بمحبّة ولطف، ليجتذبوهم بذلك إلى خطّ أهل البيت، وأن يتجنّبوا أيّ تجريح أو استفزاز لمشاعرهم وأحاسيسهم، حتى لا تنمو في نفوسهم مشاعر البغض والكراهية لأهل البيت وشيعتهم.
جاء عن الإمام جعفر الصادق : «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ». وعنه : «حَبِّبُونَا إِلَى اَلنَّاسِ وَلاَ تُبَغِّضُونَا إِلَيْهِمْ».