نِعْمَ اَلرَّجُلُ
محرم
عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «نِعْمَ اَلرَّجُلُ هُوَ اَلَّذِي جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعاً لِأَمْرِ اَللَّهِ، وَقُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي قَضَاءِ اَللَّهِ، يَرَى اَلذُّلَّ مَعَ اَلْحَقِّ أَقْرَبَ إِلَى عِزِّ اَلْأَبَدِ مَعَ اَلْعِزِّ فِي اَلْبَاطِلِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى دَوَامِ اَلنَّعِيمِ فِي دَارٍ لاَ تَبِيدُ وَلاَ تَنْفَدُ، وَإِنَّ كَثِيراً مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إِنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إِلَى عَذَابٍ لاَ اِنْقِطَاعَ لَهُ وَلاَ زَوَالَ»
عدد الزوار: 405 عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «نِعْمَ اَلرَّجُلُ هُوَ اَلَّذِي جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعاً لِأَمْرِ اَللَّهِ، وَقُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي قَضَاءِ اَللَّهِ، يَرَى اَلذُّلَّ مَعَ اَلْحَقِّ أَقْرَبَ إِلَى عِزِّ اَلْأَبَدِ مَعَ اَلْعِزِّ فِي اَلْبَاطِلِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى دَوَامِ اَلنَّعِيمِ فِي دَارٍ لاَ تَبِيدُ وَلاَ تَنْفَدُ، وَإِنَّ كَثِيراً مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إِنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إِلَى عَذَابٍ لاَ اِنْقِطَاعَ لَهُ وَلاَ زَوَالَ»[1].
تختلفُ المعاييرُ التي ينظرُ إليها الناسُ في أحكامِهِم بالتفاضلِ بينَهُم، وعلى أساسِها يقومونَ بمدحِ بعضِهِم وذمِّ آخرينَ. وفي الحديثِ تعليمٌ للناسِ مَنْ يستحقُّ المدحَ والثناءَ منْهُم، ويصفُهُ الإمامُ زينُ العابدينَ (عليه السلام) بأنَّهُ نِعمَ الرجلُ، وهوَ مَنْ كانَ:
1. هواهُ إلهيّاً: الهوى هوَ الذي يقودُ الإنسانَ إلى اختيارِ ما يقومُ بهِ، فإنْ كانَ الهوى تابعاً لأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ فقدْ نالَ فوزاً عظيماً، وهذا يحتاجُ إلى توفيقٍ إلهيٍّ، ففي دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ سَهَّلْتَ لَهُ طَرِيقَ الطَّاعَةِ بِالتَّوْفِيقِ فِي مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ، فَحُيُّوا وَقُرِّبُوا وَأُكْرِمُوا وَزُيِّنُوا بِخِدْمَتِكَ»[2].
2. قواهُ للهِ عزَّ وجلَّ: أنعمَ اللهُ على عبادِهِ بقوى، وأمرَهُ بأنْ يُسخِّرَها في مرضاتِه. لذا، فإنَّ سعيَ المؤمنِ أنْ تكونَ هذهِ القوى -ما دامَ حيّاً- في طاعةِ اللهِ، ففي دعاءِ أبي حمزةَ الثماليّ: «وَاستَعمِلني بِطاعَتِكَ وطاعَةِ رَسولِكَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيهِ وآلِهِ) أبَداً مَا استَعمَرتَني»[3]، وفي دعاءِ مكارمِ الأخلاقِ يعلّمُنا الإمامُ (عليه السلام) أنْ يكونَ الدعاءُ بطولِ العمرِ مُقيَّداً بأنْ يكونَ في طاعةِ اللهِ: «وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ»[4].
3. اتّباعُهُ للحقِّ: يميلُ الهوى بالإنسانِ إلى ما يكونُ فيهِ أحياناً تركٌ للحقِّ وعملٌ بالباطلِ، ولكنَّ المؤمنَ هوَ مَن لا يذهبُ بهِ الهوى إلى ذلكَ، ويتحلّى بالصبرِ، فعنِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اصْبِرْ عَلَى مَرَارَةِ [مَضَضِ] الْحَقِّ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْخَدِعَ لِحَلَاوَةِ الْبَاطِلِ»[5]، وعنِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «قُلِ الْحَقَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُكَ؛ فَإِنَّ فِيهِ نَجَاتَكَ... وَدَعِ الْبَاطِلَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَجَاتُكَ؛ فَإِنَّ فِيهِ هَلَاكَكَ»[6]، وعنِ الإمامِ الصادقِ، عن آبائِهِ، عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليهم السلام): «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ طُوبَى لَهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ (صلّى الله عليه وآله): الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الْحَقَّ إِذَا سَمِعُوهُ، وَيَبْذُلُونَهُ إِذَا سُئِلُوهُ، وَيَحْكُمُونَ لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ»[7].
4. مُقدِّماً للآخرةِ على الدنيا: العاقلُ هوَ الذي يوازنُ بينَ المصالحِ والمفاسدِ، فلا يُقدِّمُ مصلحةً عاجلةً، إذا كانَت ستترتّبُ عليها مفسدةٌ دائمةٌ، وهذا هوَ حالُ المؤمنِ معَ الدنيا، فهوَ لا يستعجلُ بعضَ مصالحِ الدنيا لما يراهُ فيها مِن ضررٍ على الآخرةِ، وعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ وَسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ»[8].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام)، في الخامسِ والعشرينَ من مُحرَّم، سنة 95 للهجرة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، ص55.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج91، ص128.
[3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص595.
[4] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص94، الدعاء 20.
[5] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص70.
[6] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص408.
[7] ابن الأشعث، الجعفريّات (الأشعثيّات)، ص183.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص486، الحكمة 103.