إخلاص وإصلاح
محرم
جاءَ في وصيّةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) عندَ خروجِهِ مِنَ المدينةِ: «إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلّى الله عليه وآله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)»
عدد الزوار: 327جاءَ في وصيّةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) عندَ خروجِهِ مِنَ المدينةِ: «إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلّى الله عليه وآله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)»[1].
في هذا المفادِ هدفانِ واضحانِ للثورةِ الحسينيّةِ، يتحدّثُ عنهما الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه):
1. الإخلاصُ: يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «إنَّ إحدى خصائصِ هذهِ الواقعةِ، هيَ أنَّ خروجَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) كانَ خالصاً للهِ، ولإصلاحِ المجتمعِ الإسلاميِّ، وهذهِ خَصِيصَةٌ مهمّةٌ؛ فعندما يقولُ الإمامُ (عليه السلام): «إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً»، فمعناهُ أنَّ ثورتي لمْ تكنْ للرياءِ والغرورِ، وليسَت فيها ذرّةٌ منَ الظلمِ والفسادِ، بلْ «إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلّى الله عليه وآله)»؛ أيْ إنَّ هدفي هوَ الإصلاحُ فقطْ، ولا غير.
إنَّ القرآنَ الكريمَ حينما يخاطِبُ المسلمينَ في صدرِ الإسلامِ، يقولُ: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ﴾[2]، وهنا الإمامُ (عليه السلام) يقولُ: «إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً». تأمّلُوا جيّداً، فهنا نهجانِ وخطّانِ؛ فالقرآنُ يقولُ: لا تكونوا مثلَ الّذينَ خرجوا ﴿بَطَرًا﴾؛ أيْ غروراً وتكبّراً، ولا أثرَ للإخلاصِ في تحرّكِهِم، وإنّما المطروحُ في هذا المنهجِ الفاسدِ هوَ «الأنا» و«الذات» و«رئاء الناس».
ثورةُ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، لا وجودَ فيها لـلأنا ولـلذاتِ والمصالحِ الشخصيّةِ والقوميّةِ والحزبيّةِ أبداً.
إنَّ سلوكَ الإمامِ الحسينِ منذُ خروجِهِ مِنَ المدينةِ وحتّى يومِ استشهادِهِ في كربلاءَ، كانَ منطوياً على المعنويّاتِ والعزّةِ والشموخِ. وفي الوقتِ نفسِهِ، كانَ مغموراً بالعبوديّةِ والتسليمِ المطلقِ لأمرِ اللهِ، وهكذا كانَ دائماً، وفي كلِّ المراحلِ»[3].
2. الإصلاحُ: يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «إنَّ هدفَ ذلكَ العظيمِ، كانَ أداءَ واجبٍ عظيمٍ مِنْ واجباتِ الدينِ، لمْ يُؤدِّهِ أحدٌ قبلَهُ... يقولُ الإمامُ (عليه السلام): «وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلّى الله عليه وآله)»؛ أيْ أريدُ الثورةَ لأجلِ الإصلاحِ، لا للوصولِ إلى الحكمِ حتماً أو إلى الشهادةِ حتماً. والإصلاحُ ليسَ بالأمرِ الهيّنِ، فقدْ تكونُ الظروفُ بصورةٍ، بحيثُ يصلُ الإنسانُ إلى سدّةِ الحكمِ، ويمسكُ بزمامِ السلطةِ، وقدْ لا يمكنُهُ ذلكَ ويستشهدُ. وفي كلتا الحالتينِ، الثورةُ تكونُ لأجلِ الإصلاحِ. ثمَّ يقولُ (عليه السلام): «أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي». والإصلاحُ يتمُّ عنْ هذا الطريقِ، وهوَ ما قُلْنا إنَّهُ مصداقٌ للأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ...
ونقرأُ في زيارةِ الأربعينَ الّتي هيَ منْ أفضلِ الزياراتِ: «وَمَنَحَ النُّصْحَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ، لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الْجَهَالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلَالَةِ»[4]. ولقدْ بيّنَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) أثناءَ الطريقِ حديثاً معروفاً، نقلاً عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، فقالَ: «أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) قالَ: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مُستحِلّاً لِحُرمِ اللهِ، ناكِثاً لِعهدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسنّةِ رسولِ اللهِ، يعملُ في عبادِ اللهِ بالإثمِ والعدوانِ، فَلَمْ يُغيِّرْ عليهِ بفعلٍ ولا قولٍ، كانَ حقّاً على اللهِ أنْ يُدخلَهُ مدخلَه»[5].
إنَّ آثارَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) وأقوالَهُ كلَّها، وكذلكَ ما وصلَنا حولَهُ منْ أقوالِ المعصومينَ، توضِّحُ أنَّ الهدفَ كانَ إقامةَ الحقِّ والعدلِ والدينِ الإلهيِّ، وإقرارَ حاكميّةِ الشريعةِ، وتقويضَ بنيانِ الظلمِ والجورِ والطغيانِ، وأنَّهُ كانَ مواصلةً لنهجِ الرسولِ الأكرمِ (صلّى الله عليه وآله) وسائرِ الأنبياءِ (عليهم السلام): «يا وارثَ آدمَ صفوةِ الله... يا وارثَ نوحٍ نبيِّ الله»[6]. وواضحٌ ما جاءَ الأنبياءُ لأجلِهِ، جاؤوا ﴿ليَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ﴾[7]؛ أيْ لإقامةِ القسطِ والحقِّ وإقرارِ الحكومةِ والنظامِ الإسلاميِّ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329.
[2] سورة الأنفال، الآية 47.
[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الآلاف من حرس الثورة ووحدات قوى الأمن الداخليّ، بتاريخ 3 شعبان 1414هـ.
[4] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج6، ص113.
[5] أبو مخنف الكوفيّ، وقعة الطفّ، ص172.
[6] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص206.
[7] سورة الحديد، الآية 25.
[8] راجع: كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في صلاة الجمعة يوم عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام)، بتاريخ 10 محرّم الحرام 1416هـ.