كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) خلال لقاء مع المتولّي الجديد على مدرسة الشهيد مطهّري ومديريها وجمعٍ من أساتذتها
2024
بتاريخ 2024/07/03م
عدد الزوار: 106كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) خلال لقاء مع المتولّي[1] الجديد على مدرسة الشهيد مطهّري[2] ومديريها وجمعٍ من أساتذتها، بتاريخ 2024/07/03م
بسم الله الرحمن الرحيم[3]
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
يجدر بنا هنا أن نتذكّر المرحوم السيّد إمامي[4] (رضوان الله تعالى عليه)؛ لقد كان سماحته شديد التعلّق والاهتمام بهذه المدرسة، وهذه المؤسّسة؛ كنّا نلمس ذلك جيّدًا من خلال كلامه ومتابعاته. وقد سعى حقًّا بقدر ما يستطيع. وعمل جاهدًا من أجل أن تصل المدرسة إلى أهدافها.
كما تعلمون، فإنّ لمدرسة الشهيد مطهّري تاريخًا طويلًا. قبل الثورة، كان في هذه المدرسة أساتذة كبار، ونحن نعرف بعضهم. فالمرحوم [حسين علي] راشد كان هنا، والمرحوم سماحة الميرزا أبو الفضل النجم آبادي كان من بين مشايخ طهران الأفاضل؛ وقد كنّا نعرفه من كثب. وكان المرحوم شيخ الإسلام الكاشمري وآخرون من أمثال هؤلاء يدرّسون في هذه المدرسة، ومع ذلك لم تكن منتجة؛ فمع وجود الكثير من المدرّسين الأكفياء، لم يكن لهذه المدرسة نتاجٌ يُعتدّ به في تلك المرحلة. فطلّابها كانوا معروفين بعدم الدراسة، أيْ لم يكونوا من الطلّاب المحصّلين! بالتأكيد، يوجد بيننا -نحن الطلّاب الّذين كنّا نتردّد إلى طهران في ذلك الوقت- مَن بلغت مسامعه بعض تلك الأخبار. كان في المدرسة طلّاب، لكنّها [مع وجود] أولئك الأساتذة الأكفياء، لم يكن لها نتاجٌ مهمّ، ربما تجد [طالبًا] هنا أو هناك، لكنّها [عمومًا] لم تحقّق النتائج المرجوّة؛ بعكس مرحلة الثورة. في الحقيقة، خلال مرحلة الثورة، كان الكثير من العلماء المتبحّرين والمشايخ الأجلّاء يرتبطون بأعمال أخرى خارج الحوزة -فهذا ما كانت تقتضيه طبيعة الأمور-، وقد نتج عن ذلك نقصٌ كبير في توفّر المدرسيّن العلماء في كثير من مراكز التدريس، بما في ذلك مدرسة الشهيد مطهّري، -بالطبع، كان هناك أفاضل وعلماء، ونحن نعرف بعض هؤلاء السادة، بعضهم لا زال على قيد الحياة، بحمد لله، وبعضهم قد توفّي، كنت على معرفة ببعض هؤلاء السادة من كثب، لقد كانوا مشايخ أجلّاء وجيّدين- [ومع ذلك النقص في وجود المدرّسين العلماء] كان نتاج المدرسة نتاجًا جيّدًا؛ أي إنّ هذه المدرسة خرّجت طلّابًا فضلاء وجيّدين. هذا أمر في غاية الأهمّيّة؛ وقد كان هذا نتيجة الجهود الّتي بذلها مسؤولو هذه المدرسة من أوّل الطريق، وقد كان المرحوم السيّد إمامي في سدّة المسؤولية منذ البداية.
إنّ قولكم بأنّ هذه المدرسة تحتاج إلى تحوّل، لهو قولٌ سديدٌ تمامًا. أي يجب تجديد البرامج حسب مقتضيات الزمان بنحو مستمرّ، وهذا طبيعيّ. بطبيعة الحال [عندما] نقول: التحوّل، فهذا لا يعني تبدّل الأسس والمبادئ. بل يجب ألّا يُمسّ بالأسس والمبادئ؛ لأنّ الأسسَ أسسٌ صحيحة. ما ينبغي أن يجري العمل عليه هو البرامج. يجب أن نعرف ما هو الدرس الّذي تكون الحاجة إليه أشدّ، وما هو الدرس الأكثر قبولًا في المجتمع، وما هو الأسلوب الّذي ينبغي اعتماده في التدريس بلحاظ الأدوات المتوفّرة اليوم، والّتي لم تكن متوفرة قبل عشرين أو أربعين عامًا، فهذه أمور مهمّة. [عندئذٍ] وعلى أساس هذا التخطيط الجديد، تختارون الأساتذة، وتنظّمون المراحل التعليميّة، فتحصلون على نتائج جيّدة. لا بدّ من الاهتمام بهذه المسائل.
من القضايا المهمّة أيضًا، قضيّة التهذيب والتديّن. يجب أن يتجلّى التديّن في هذه المدرسة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، بحيث يظهر من خلال ذلك أنّه يمكن لبيئة حوزويّة جامعيّة، بيئة تجتمع فيها المحاسن الحوزويّة والجامعيّة؛ أن تخرّج أفرادًا يتمتّعون -إلى جانب العلم- بالتقوى وتزكية النفس، فليُقدَّم هذا [النموذج]، وهذا برأيي أمرٌ مهمّ جدًّا في طهران.
لو شملتكم -إن شاء الله- التوفيقات الإلهيّة في هذه الحركة الّتي بدأتم بها، أو تهمّون بالبدء بها، سوف يتسنّى جعل مدرسة الشهيد مطهّري مثالًا ونموذجًا للحوزات في طهران. فلو أنّ أحدهم جاءنا الآن من الخارج، وأراد أن يطّلع على وضع الحوزة العلميّة في طهران، فليس لدينا مركز يؤدّي هذه الوظيفة. ويمكن لمدرسة الشهيد مطهّري أن تكون ذاك المركز، على أن يؤخذ فيها بمبادئ العمل، والمبادئ التعليميّة والتدريسيّة.
على أيّ حال، أنتم بفضل الله قوى شابّة، وتتمتّعون بجاهزيّة الشباب ونشاطهم، وبمقدوركم أن تُضفوا حركة جديدة على هذه المجموعة. حوزاتنا العلميّة تحتاج حقًّا إلى حركات جديدة. الأعمال غير المُنجزة كثيرة. عندما يجد المرء أنّه يجري في قم -مثلًا- تدريس بعض الاختصاصات، والبحث فيها، ويقوم الطلّاب بدراستها والتحقيق حولها، وهي اختصاصات لم نكن أساسًا نفكر فيها؛ ندرك حينئذ كم لدينا من مواضع النقص، وكم أنّ هناك من أمور لم نقم بإنجازها. فلتتابعوا هنا هذه القضايا.
و[هناك] نقطة أخرى أيضًا، غير قضيّة التزكية والتخطيط المنظّم، وهي قضيّة الانضباط. إنّ انتشار الأجهزة [الحديثة] مهمّ جدًّا، فيما لو استطاع المرء إدارتها بالنحو الصحيح، فالخطر القائم هو غياب الانضباط. أنتم لديكم العديد من المدارس في مختلف مدن البلاد -حوزويّة كانت أو غير حوزويّة، ثانويّات وأمثالها-، وهي بحاجة للانضباط بطبيعة الحال، أي تحتاج للإدارة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، لا بدّ أن يكون لكم إشراف عليها. [ليس من الصحيح] أن نعهد بالأمور إلى شخص محدّد، وأن نترك الأمور على عهدة الأفراد؛ لا بدّ أن يكون للإدارة العليا إشراف على جميع الجهات. بالطبع، لا بدّ من التعاون مع كلّ مَن يمكنه ذلك، هذا ممّا لا شكّ فيه، خاصّة مع القوى الشابّة، لكن لا بدّ أن يكون للإدارة العُليا إشرافٌ ورؤية شاملة.
حافظوا على الانضباط، ولتحذروا أن ينفلت زمام الأمور من أيديكم. إذا لاحظتم أنّه تصعب إدارة مكان ما، فلتغلقوه. لا تقلقوا أبدًا بشأن إغلاق الوحدة الفلانيّة في المدينة الفلانيّة، عندما لا يمكن للمرء إدارتها بنحوٍ جيّد. أسأل الله المتعالي أن يوفّقكم.
سأعرض كلمة أيضًا بشأن الانتخابات[5] بمناسبة حضور جمعٍ من السادة والسيّدات هنا.
إنّ موعدنا مع الانتخابات سيكون بعد غد. هذه الانتخابات على قدر كبير من الأهمّيّة. وقد سبق أن قلنا ذلك. طبعًا، لم تكن نسبة المشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات كما كان يتوقّع المرء. كانت أقلّ من النسبة الّتي كنا نتوقّعها، ومن النسبة الّتي يُفترض أن تكون. خمّنَ مختلف الأشخاص نِسَبًا للمشاركة، وكانت كلّ التخمينات أعلى ممّا حصل على أرض الواقع. حسنًا، لهذا الأمر أسبابه. يجب على مَن هم خبراء في السياسة، وفي القضايا ذات الصلة بعلم الاجتماع، وأمثال ذلك، أن يحلّلوا هذه الأمور. ما هو مسلّمٌ به، أنّ مَن يظنّ أنّ هؤلاء الّذين لم يُدلوا بأصواتهم قد فعلوا ذلك مُعارضةً للنظام، مخطئ تمامًا. هذا تصوّر واستنتاج خاطئ تمامًا. نعم، قد لا يُعجَب بعض الأشخاص بمسؤول معيّن، أو قد لا يُعجَب بعضهم بأساس النظام، لا يمكن الادّعاء بعدم وجود مثل هؤلاء الأشخاص. بلى، هم موجودون في البلاد، ويتحدّثون بحريّة أيضًا، ونحن نسمع حديثهم، وعلى علم بما يقولون. فهم ليسوا مستترين عن الأنظار؛ فلا يُرَون. لكن أن نحسب كلّ مَن أحجم عن الاقتراع على هؤلاء، فهذا خطأ كبيرٌ جدًّا. لا ينبغي أن يقع بعض الناس في هذا الخطأ. كلّا، [ربما هناك] من لديه مشكلة، أو ألمّ به ما يمنعه من المشاركة، أو من لديه عمل، أو من لم يكن لديه الهمّة الكافية، من لم يسعفه الوقت في المشاركة؛ هناك أنواع وأشكال من الموانع الّتي قد تحول دون المشاركة. على أيّ حال، نأمل -إن شاء الله- أن تشهد المرحلة الثانية من الانتخابات حيويّةً في مشاركة الناس تزيد في عزّة النظام الإسلاميّ. هذا ما دأبنا على تكراره؛ مشاركة الناس ركيزة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، ومدعاة للفخر والشموخ. وكلّما كانت مشاركة الناس أفضل وأكثر وضوحًا وسطوعًا؛ اكتسب نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تلك القدرة الّتي تمكّنه من تحقيق رؤيته ومقاصده وأهدافه، سواء داخل البلاد، أو في نطاق امتدادها الاستراتيجيّ، وهذه فرصة كبيرة جدًّا للبلاد. نرجو الله المتعالي أن يهدي قلوبنا جميعًا، إلى ما فيه رضاه ورضا جميع المحبّين للإسلام، وللجمهوريّة الإسلاميّة، والراغبين في تقدّم البلاد وتحسّن أوضاعها ومعالجة الثغرات، وأن يثبتوا ذلك يوم الجمعة -أي بعد غد- عبر أصواتهم، وليوفّقهم الله لاختيار الأفضل، الّذي يتمكّن من تحقيق هذه الأهداف للبلاد، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] متولي الجامعة ورئيسها، وتُستخدم كلمة متوليّ هنا باعتبار أن مدرسة الشهيد مطهري قد تمّ وقفها سابقًا.
[2] المدرسة العليا وجامعة الشهيد مطهّري، وهي جامعة غير حكومية ذات منهج حوزوي.
[3] في مستهلّ هذا اللقاء، تحدّث حجة الإسلام والمسلمين عبد العلي توجهي (متولي ورئيس مدرسة الشهيد مطهري) بكلمة.
[4] آية الله محمد إمامي الكاشاني.
[5] المرحلة الثانية من الدورة الرابعة عشرة لانتخابات رئاسة الجمهوريّة الّتي جرت بتاريخ 05/07/2024م.