إصلاح النفس وثمن الجنة
العلاقة مع النفس
إن المسالك والطرق إلى الله كثيرة، بل هي بعدد أنفاس الخلائق إلا أنها كلها تبدأ من خلال تهذيب النفس وإصلاحها.
عدد الزوار: 1307إن المسالك والطرق إلى الله كثيرة، بل هي بعدد أنفاس الخلائق إلا أنها كلها تبدأ من خلال تهذيب النفس وإصلاحها.
فينبغي بالدرجة الأولى على من يريد إصلاح نفسه أن يرغِّب نفسه بالأعمال الصالحة، ويكون ذلك من خلال التفكر في الأعمال وما تستتبع من رضا أوسخط للمولى العزيز، وما يترتب عليها من آثار في الآخرة، فتطمع النفس بثواب الآخرة، وتخاف من عقاب الأعمال القبيحة.
وبما أن كثيراً من الناس يميلون إلى الربح السريع ويفضل الربح القريب ولو كان قليلاً وتافهاً على الربح البعيد ولو كان كبيراً وعظيماً، وهذه حقيقة في الإنسان قد ذكرها الله تعالى في كتابه حيث يقول جل شأنه: "كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُون الآخرة"([1])، "وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً"([2]).
فبسب شقاء هذا الإنسان تراه يستعجل ما يتصوره ربحاً في الدنيا ويترك فوز الآخرة، وهنا يتضح دور العقل في السيطرة على الأهواء النفسية السيئة، فلا بد من التنبيه الدائم للنفس على الدوام، لما وعد به الله تعالى أهل طاعته، وحذر منه أهل معصيته، لأن مجرد عدم الالتفات إلى الجانب الأخروي من الأعمال والاستغراق في أمور الدنيا وتفاصيلها، يدخل الإنسان في نفق الغفلة المظلم ولا يستيقظ منه إلا بعد الموت في الكثير من الأحيان ولعل هذا هو المراد من قول الإمام علي أمير المؤمنين: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"([3]).
وأما كيفية التفكر في أمر الدنيا وزوالها فهو كما يروى أن الإمام الباقر د قال لصاحبه جابر في حديث طويل: "... يا جابر: إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة، وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة، ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم. واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة، وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله، قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله تعالى وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك واستيقظت، وليس معك منه شيء"([4]).
إذاً فإصلاح النفس يبدأ من التذكر والخروج من نوم الغفلة عن الآخرة بالدرجة الأولى ولهذا الأسلوب في إصلاح النفس ميزتين:
أ- أنه يصلح ظاهر العمل وباطنه إذ أن المراد هو الله تعالى، والمحاسب والمجازي هو الله تعالى أيضاً.
ب- أنه جزاء دائم لأنّ ما عند الله خير وأبقى، والقرآن الكريم اعتبر هذا المسلك مسلكاً جيداً وندب إليه ومنه قوله تعالى: "إِنّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجْيلِ وَالْقُرْانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"([5]).
وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين: "إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها"([6]).
* جهاد النفس، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) القيامة:20-21.
([2]) الإسراء:11.
([3]) شرح أصول الكافي - المولى محمد صالح المازندراني، ج8، ص379.
([4]) بحار الأنوار - العلامة المجلسي، ج70، ص36.
([5]) التوبة:111.
([6]) نهج البلاغة، ج4 ص105.