مخاطر إفشاء الأسرار!
العلاقة مع المجتمع
حفظ السرّ هو من الخصال الإلهيّة، ومن أوصاف المؤمنين الكاملين، وعلامة العقل ومنبع الخيرات. الإنسان الذي يحفظ السرّ وفيّ وأمين، وهو يحفظ منزلته بحفظ الأسرار،
عدد الزوار: 1069حفظ السرّ هو من الخصال الإلهيّة، ومن أوصاف المؤمنين الكاملين، وعلامة العقل ومنبع الخيرات. الإنسان الذي يحفظ السرّ وفيّ وأمين، وهو يحفظ منزلته بحفظ الأسرار، وهو يحترم أعراض ونواميس الآخرين. من هذه الجهة يؤكّد الإسلام على حفظ الأسرار، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ"[1]. ويقول عليه السلام في مكان آخر: "كن بأسرارك بخيلاً"[2].
إنّ دور حفظ الأسرار في حياة الإنسان حيويّ، بمنزلة دمه الذي يجري في عروقه: "سرّك من دمك، فلا يجرينّ من غير أوداجك"[3]. يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّه كما إنّ جريان الدم في البدن موجب لاستمرار الحياة، فإذا أُريق إلى الخارج أدّى بالإنسان إلى الموت، فإنّ أسرار الإنسان أيضاً كذلك، إذا خرجت وسارت في غير مجراها الطبيعي، فإنّ حياة الإنسان ستتزلزل وستكون عرضة للخطر الجديّ.
فبنفس المقدار الذي يؤكّد فيه الإسلام على حفظ الأسرار وكتمانها، فإنّه في المقابل أيضاً نهى بشدّة عن إفشاء الأسرار، وعدّها من مصاديق الخيانة، كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا تذع سرّاً أُودِعْتَه، فإنّ الإذاعة خيانة"[4]. وفي بعض الروايات عُدّ إفشاء الأسرار مشاركة في قتل النفس البريئة والأنبياء الإلهيّين، وعواقب هذا العمل كما هو معروف العذاب الأليم في نار جهنّم. فعن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية الشريفة: ﴿وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ﴾[5]، قال عليه السلام: "أما والله ما قتلوهم بأسيافهم، ولكنأذاعوا سرّهم، وأفشوا عليهم، فقُتلوا"[6].
إفشاء الأسرار العسكرية
إفشاءُ الأسرار العسكريّة لدولة الإسلام وللمجاهدين بشكل عام هو من الكبائر لما فيه من مخاطر قد تؤدِّي إلى قتل النُّفوس وإباحة الممتلكات، ناهيك عن الهزيمة لجيوش المسلمين وسقوط دولتهم. وبهذا اللحاظ وردت الأدلَّة الشّرعيّة الّتي تُربّي الفرد والجماعة على الكتمان.
إنَّ كتمان الأسرار العسكريّة هي من الأخلاق العمليّة، التي ينبغي أن تتملَّك شخصيّة المجاهدين، لموقعهم الحسَّاس والخطر، والخطأ الّذي يُرتكب هو الأوَّل والأخير، والنَّتيجة ستكون في غاية الخطورة عندئذ ومن ورائها خسارات كبرى لا تُعوَّض، من قتلٍ وأسرٍ واحتلال مواقع. وقد تؤدِّي الأمور إلى هزيمة الجيش بكامله، كما حدث في معركة أحد، وقد تؤدِّي إلى سقوط دولة الإسلام بكاملها.
إنَّ المجاهد أمام مسؤوليَّةٍ كبرى وبين يديه أمانةُ إخوانه المقاتلين، وأمانة الأمّة التي سلَّمته ظهرها ليحرسها ويحفظ حدودها.
إنّ أيَّ إذاعة للسّرّ تُرتكب ولو من دون قصدٍ تُعتبر خيانة كما في الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "الإذاعة خيانة"[7].
ولا يمكن أن يجتمع جهاد في سبيل الله وخيانة، وهو أشبه باجتماع النَّقيضين، فإنّ المجاهد يبذل دمه في سبيل الوطن والأمّة، والإذاعة للأسرار العسكريّة هو إباحة الوطن والأمة للأعداء، ومن هنا غلَّظ الإمام عليّ عليه السلام الوصف بقوله: "من أقبح الغدر إذاعة السِّرّ"[8].
* هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج7، ص436، تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.مط، لا.ط، 1418.
[2] الآمدي، تصنيف غرر الحكم، ص320.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص71.
[4] الآمدي، تصنيف غرر الحكم، ص320.
[5] سورة آل عمران، الآية 112.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص371.
[7] الواسطيّ، عيون المواعظ والحكم، ص 37.
[8] الآمدي، غرر الحكم، ص 223.