يتم التحميل...

التوبة في شهر رمضان

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

لا شكّ في أنّ الغاية التي ينشدها أيّ مؤمن خروجه مِن الدنيا وقد غَفَرَ الله تعالى ذنوبه جميعها، فلا يسأله عنها يوم القيامة، ويدخله جنّاته.

عدد الزوار: 316

﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾[1].

لا شكّ في أنّ الغاية التي ينشدها أيّ مؤمن خروجه مِن الدنيا وقد غَفَرَ الله تعالى ذنوبه جميعها، فلا يسأله عنها يوم القيامة، ويدخله جنّاته.

العلاقة بين الله وعباده
يمكن فَهمُ علاقة الله تعالى بعباده وَنظرته إلى المذنبين مِن الآتي:

1. الله تعالى يبسط الرحمة لِعباده ويَقبل توبتهم ويمحو سيّئاتهم.

2. مِن أعظم صور الرحمة الإلهيّة تبديلُ اللهِ سيّئات التائبِ حسنات.

3. لا يحبّ الله تعالى الانتقام -والعياذ بالله- وتعذيب المؤمنين، بل إنّه رؤوف وَدود رحيمٌ بِمن رَجع إليه.

4. إنّ غضب الله لا يحلّ إلّا على الكافر المصرّ على كفره، والعاصي المصرّ على معصيته، والمستهتر بمقام ربّه، أمّا النادم فَهو قريب مِن الله ومحبوب لديه.

5. إنّ التوبة والإيمان والعمل الصالح بابُ الفلاح في الدنيا والآخرة.

6. إنّ الدليل على حبّ الله تعالى لعباده ما أتاحه لهم مِن مكّفرات لِذنوبهم تُنجيهم في الدنيا والآخرة.

مفهوم التوبة
قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾[2].

التوبةُ تَرْكُ الذنب، مَعرفةً بِقُبحه، ونَدماً على فِعله، وعزماً على عدم العودة إليه، وتدارُكاً لِما يمكن تداركه مِن أعمال، وأداءً لِما ضُيِّع مِن فرائض؛ إخلاصاً لله، ورجاءً لثوابه، وخَوفاً من عقابه. وَهي توفيق إلهيّ محض، لأنّ ذات الإنسان فقيرة، والفقر عَينُ الذات، مُتمحّض في الحاجة إلى الله تعالى. فَمن يريد الرجوع إلى الله يحتاج توفيقاً وعناية خاصّة وإعانة منه تعالى؛ وهي توبة العبد الأولى. أمّا التوبة الثانية، فهي رجوع العبد إلى الله بالتوبة عن ذنوبه ومعاصيه، وَهي تحتاج -أيضاً- قبولَ الله تعالى ومغفرته. يبتدئ الله تعالى العبدَ برحمة الهداية، فَما إن يتوب العبد إليه حتّى يقبله ثانيةً. إذاً، توبة العبد محقوقة بتوبَتَيْن؛ توبة متقدّمة، وهي التوفيق للتوبة، وتوبة متأخّرة، وهي قبول التوبة[3].

أركان التوبة وشرائطها
قَالَ أمير المؤمنين (عليه السلام) لِقَائِلٍ في حَضْرَتِهِ: أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ: «ثَكلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الاسْتِغْفَارُ؟ الاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ العِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ؛ أَوَّلُهَا النَدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَاَلثَانِي العَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً، والثَالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى المخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَالرَابِعُ أَنْ تَعْمدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّي حَقَّهَا، وَالخَامِسُ أَنْ تَعْمدَ إِلَى اللَحْمِ الَذِي نَبَتَ عَلَى السُحْتِ فَتُذِيبهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَالسَادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ»[4]. ويمكن تقسيم كلام الإمام (عليه السلام) وِفاقَ الشكل الآتي: الأوّلان رُكنان للتوبة، والثالث والرابع شرطان لِقبولها، والأخيران شرطان لِكمالها.

1. الندم مِن واضحات الأركان، وهو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، أو الرجوع إلى الفطرة الطاهرة التي تدنّسَت بالذنب، ولا يمكن أن يتمّ هذا الرجوع مِن دون الندم على ما فات.

2. العزم على تَرك العَوْدِ رُكنٌ واضح أيضاً، فَلا يَصدق عنوان الرجوع إلى الله أو الرجوع إلى الفطرة الصافية من دونه. والندمُ يَستبطن العزم على عدم العَوْد؛ قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ النَدَمَ عَلَى الشرِّ يَدْعُو إِلَى تَرْكِه»[5].

3. تدارُك ما هضمَه مِن حقوق الله وحقوق الناس شرطٌ للقبول.

4. أداء حقّ الله في كلِّ فَرض شرطُ للقبول أيضاً.

5. إذابة اللحم النابت مِن الحرام شرطُ الكمال.

6. إذاقة الجسم ألم الطاعة كما ذاق حلاوة المعصية شرطٌ ثانٍ للكمال[6].

آثار التوبة
إنّ آثار التوبة كثيرة، ولها فَضائل جَمّة وأسرار بديعة وَفوائد متعدّدة وبركات متنوّعة، مِنها:

1. سبب الفلاح والفوز بِسعادة الدارَيْن: قال تعالى: ﴿وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾[7].

2. تُكفّر السيّئات: قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَة نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ﴾[8]، فَإذا تاب العبد توبة نَصوحاً كفَّر الله بها ذنوبه وخطاياه جميعها.

3. التوبة تُبدّل السيّئات حسنات: قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَٰلِحا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيم﴾[9]، فإذا حسنَت التوبة بَدَّل الله سيّئات صاحبها حسنات. وهذا مِن أعظم البشارة للتائبين، إذا اقترنَ بِتوبتهم إيمان وعمل صالح.

4. سبب للمتاع الحسن والخيرات: قال تعالى: ﴿وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَل مُّسَمّى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡل فَضۡلَهُۥۖ﴾[10]، وقال على لسان نوح (عليه السلام): ﴿فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا ١١ وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰل وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰت وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰر﴾[11].

5. الله يُحبّ التوّابين: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ﴾[12]، فَعبوديّة التوبة مِن أَحبّ العبوديّات إلى الله وأكرمها.

6. الله يفرح بِتوبة التائبين: قَالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اَللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ اَلْعَبْدِ مِنَ الظمْآنِ الْوَارِدِ وَالْمُضِلِّ الْوَاجِدِ وَالْعَقِيمِ الْوَالِدِ»[13]، فَهو عزّ وجلّ يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح. كما أنّ لهذا الفرح تأثيراً عظيماً في حال التائب وقلبه.

  * زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] سورة التوية، الآية 118.
[2] سورة التوية، الآية 118.
[3] ينظر: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص245 (بتصرّف).
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص550، الحكمة 417.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص427.
[6] ينظر: الحائريّ، السيّد كاظم الحسينيّ، تزكية النفس، دار البشير، إيران - قم، 1430ه.ق، ط5، ص238 - 249.
[7] سورة النور، الآية 31.
[8] سورة التحريم، الآية 8.
[9] سورة الفرقان، الآية 70.
[10] سورة هود، الآية 3.
[11] سورة نوح، الآيتان 10 - 12.
[12] سورة البقرة، الآية 222.
[13] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج12، ص126.

2024-03-25