يتم التحميل...

الاستغفار في شهر رمضان

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فالاسْتِغْفَارُ؛ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾

عدد الزوار: 250

أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فالاسْتِغْفَارُ؛ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾[1]»[2].

الاستغفار
لا ينفكّ مفهوم الغفران عن المنظومة الفكريّة الإسلاميّة المبنيّة على الرحمة الإلهيّة. فالله تعالى إله الرحمة، والدين دين الرحمة، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) نبيّ الرحمة؛ قال تعالى: ﴿لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾[3]، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «بِذِكْرِ اَللَّهِ تُسْتَنْزَلُ الرحْمَةُ»[4]. والاستغفار لجوء العبد إلى الله، رجاء ستر ذنوبه، والتجاوز عن خطاياه[5]. ولا بدّ مِن الالتفات إلى خطورة الذنوب في المسيرة التكامليّة للإنسان، لأنّ أبوابَ ما يحتاج إليه الفرد البشريّ والمجتمع الإنسانيّ -من ألطاف إلهيّة وتفضّلات ورحمة ونورانيّة وهداية وتوفيق وَعَون على الأمور ونَجاح في الساحات المختلفة- تنغلق بسبب الذنوب التي يرتكبها. فَتُصبح الذنوب حجاباً بينه وبين الرحمة والتفضّل الإلهيّ، يُزيله الاستغفار.

العلاقة بين الله تعالى وعباده
إنّ علاقة الله تعالى بعباده علاقة الحبّ والرحمة، وفي القرآن الكريم دلائل كثيرة على ذلك، أهمّها قبول الله التوبة مِن العُصاة، والتجاوز عن سيّئاتهم، ودعوة العاصين والخاطئين إلى رحابِ الودود الرحيم التوّاب الغفور، والإنعام بالرضى، والحبّ بعد الغضب؛ قال تعالى: ﴿فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَار﴾[6] و﴿وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾[7] و﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[8].

آثار الاستغفار
يُستفادُ مِن مجموع الآيات والروايات أنّ للاستغفار آثاراً عظيمة تؤثّر في مُجريات حياة الإنسان، مِنها:

1. صلاح المجتمع: 
قال الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن أنعم الله عزَّ وجلَّ عليه نعمة فَلْيحمد الله، ومَن استبطأ الرزق فَلْيَستغفر الله، ومَن حَزنه أمرٌ فَلْيقُل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله»[9]، فَثمّة ارتباط بين الاستغفار وَصلاح المجتمع ونزول البركات والحياة الطيّبة.

2. رَفع العذاب عن الأمّة: قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾[10]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كَانَ فِي اَلْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ اَلْآخَر فَتَمَسَّكُوا بِهِ. أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلَذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، وَأَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فَالاِسْتِغْفَارُ؛ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾»[11].

3. زيادة الرزق: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَكْثِرُوا الاسْتِغْفَارَ، تَجْلِبُوا الرِزْق»[12]. فَلا شكّ في أنّ الذنوب والمعاصي تُبعد الإنسان عن الرزّاق العليم وتحجب الرزق، وَالاستغفار يمحوها ويطهّر النفس ويدرّ الرزق، فَتنفتح البرَكَة وتُرى آثارها.

4. إبعاد الشيطان: عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: أَلاَ أُخْبِركُمْ بِشَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَبَاعَدَ اَلشَيْطَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَبَاعَدَ اَلْمَشْرِقُ مِنَ اَلْمَغْرِبِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: الصوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَاَلْحُبُّ فِي اَللَّهِ وَاَلْمُؤَازَرَةُ عَلَى اَلْعَمَلِ اَلصالِحِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ، وَالاسْتِغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ»[13]، فالاستغفار سلاحٌ بِيَدِ المستغفِر يُبعد به الشيطان، بل يقطع به وتينه.

5. دواء الذنوب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِدَائِكُمْ مِنْ دَوَائِكُمْ؟»، قيل: بَلَى، يَا رَسُولَ اَللَّهِ. قَالَ: «دَاؤُكُمُ اَلذنُوبُ، وَدَوَاؤُكُمُ الاسْتِغْفَارُ»[14]. فالذنوب مرض يحتاج علاجاً، هو الاستغفار.

6. مُعطّر لروائح الذنوب: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «تَعَطَّرُوا بِالاِسْتِغْفَارِ، لاَ تَفْضَحكُمْ رَوَائِحُ الذُنُوبِ»[15]، فَللذنب رائحة كريهة تحتاج معطّراً، هو الاستغفار واللجوء إلى الله تعالى وعفوه ومغفرته.

7. جلاء الهمّ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأً كَصَدَإِ اَلنُحَاسِ، فَاجْلُوهَا بِالاسْتِغْفَارِ»[16].

8. منجاة: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «عَلَيْكَ بِالاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُ اَلْمَنْجَاةُ»[17]، فَالاستغفار مِن الآثار التي تُنجي الإنسان مِن العذاب والعقاب الذي ينتظره نتيجة اقترافه الذنوب، وهو خير وسيلة للنجاة في الدنيا والآخرة.

9. خير عبادة: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «خَيْرُ اَلْعِبَادَةِ قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ، وَخَيْرُ اَلْعِبَادَةِ الاسْتِغْفَارُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ﴾[18]»[19]. فَإذا استغفر الإنسانُ ربَّه قَبِلَ استغفاره، وذلك مِن خير العبادات، لأنّه لا يتمنّى إلّا العفو عن ذنوبه.

10. مُكفّر للذنب: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ ظَلَمَ أَحَداً فَفَاتَهُ، فَلْيَسْتَغْفِرِ اَللَّهَ لَهُ، فَإِنَّهُ كَفَّارَةٌ لَهُ»[20]. فلا شكّ في أنّ الاستغفار كفّارة لكلّ ذنب يصدر من الإنسان، حتّى لَو فاته ظُلم. لذا، عليه أن يكّفر عن ذنبه بالاستغفار والعودة إلى الله تعالى والندم وتجنُّب الإصرار عليه، لأنّ الإصرار ذنب جديد يرتقي إلى الكبائر.

11. نَفْي الفقر: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ النِعْمَةُ فَلْيُكْثِرِ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، وَمَنْ كَثُرَ هَمُّهُ فَعَلَيْهِ بِالاسْتِغْفَارِ، وَمَنْ أَلَحَّ عَلَيْهِ الْفَقْرُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ، يَنْفِي اَللَّهُ عَنْهُ اَلْفَقْرَ»[21]. فالاستغفار مِن أسباب نَفيِ الفقر، ويُقابِل شكرَ النعمة، فكما أنّ النعمة تستحقّ الشكر، فكذلك نَفْي الفقر يحتاج استعانةً بالله واستغفاراً مِن الذنب.

12. خير الدعاء: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «خَيْرُ الدعَاءِ الاسْتِغْفَارُ»[22]، فبالاستغفار يبقى العبدُ على اتّصال دائم بربّه، ويخشاه في كلّ عمل يقوم به، صغيراً كان أم كبيراً. وهذا هو الهدف مِن طلب المغفرة، فالله تعالى يريد نجاة عباده، وهو ينظر إليهم وَهُم لا ذنب لهم، خاشعين مُنيبين إليه، يخافون عقابه.

* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] سورة الأنفال، الآية 33.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص483، الحكمة 88.
[3] سورة النمل، الآية 46.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص188.
[5] ابن منظور، محمّد بن مكرم‏، لسان العرب‏، تحقيق وتصحيح جمال الدين الميرداماديّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - دار صادر، لبنان - ‏بيروت، 1414ه‏، ط3، ج5، ص25.
[6] سورة نوح، الآيتان 10 - 11.
[7] سورة النور، الآية 31.
[8] سورة الزمر، الآية 53.
[9] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص201.
[10] سورة الأنفال، الآية 33.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج90، ص284.
[12] المصدر نفسه، ج90، ص278.
[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص62.
[14] الشعيريّ، جامع الأخبار، مصدر سابق، ص57.
[15] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج6، ص22.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص172.
[17] المصدر نفسه، ج90، ص283.
[18] سورة محمّد، الآية 19.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص517.
[20] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص313.
[21] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص93.
[22] المصدر نفسه، ج2، ص504.

2024-03-18