يتم التحميل...

الإمام المجتبى (عليه السلام) سيّد شباب الجنّة

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة الله على الأُمّة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فليس منّي»

عدد الزوار: 153

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة الله على الأُمّة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فليس منّي»[1].

ولادته
وُلِد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة يوم النصف من شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة على الأقوى، وهو أوّل أولاد أمير المؤمنين والسيّدة الزهراء (عليهما السلام).

لمّا وُلِد (عليه السلام) قالت السيّدة الزهراء للإمام عليّ (عليهما السلام): «سَمِّه»، فقال: «ما كنتُ لأسبقَ باسمه رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)»، فجاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فأُخرِج إليه، فقال: «اللّهمّ، إنّي أُعيذه بك ووِلده من الشيطان الرجيم»[2]، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وأسماه النبيّ (صلى الله عليه وآله) حسناً، ولم يكن يُعرف هذا الاسم في الجاهليّة.

من صفاته
من عظيم ما كان عليه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، أنّ كلّ واحد منهم كان يشتمل على صفات متعدّدة، تشكّل بمجملها صفات الإنسان الكامل، الذي ينبغي أن يُتّخذ قدوة وأسوة لدى أيّ إنسان في السير والسلوك في هذه الحياة الدنيا، وهكذا كانوا (عليهم السلام)، مصدر إلهام وإرشاد، في أقوالهم وأفعالهم لكلّ المسلمين والمؤمنين عبر التاريخ الإسلاميّ. نذكر من صفات الإمام الحسن (عليه السلام):

1. كرمه
وقد برزت في كلّ واحد منهم صفة لُقِّب بها في حياته وبعد رحيله عن هذه الدنيا، وفي ذلك دلالة على تأثّر الناس بهذا الإمام وعظمة ما كان عليه، ومن ذلك ما لُقِّب به الإمام الحسن (عليه السلام)، بـِ «كريم أهل البيت»، إشارة إلى سخائه وجوده وكرمه، تجلّت في أحداث ومواقف دلّت على رأفته بالمساكين، واستقالته من حطام هذه الدنيا الفانية، وأنّ كلّ شيء في نظره، إنّما هو في حقيقته ملك لله، وليس هو بيد الإنسان إلّا كصاحب له، سوف نفقده بعد حين، من دون أيّ قدرة على الحفاظ عليه.

وقد ورد في كرم الإمام الحسن (عليه السلام) وسخائه الكثير من الروايات، منها:

ما رُوي أنّ جاريةً حيَّتْهُ بطاقة (حزمة) من ريحان، فقال (عليه السلام) لها: «أنتِ حرّة لوجه الله»، فلامه أنس بن مالك على ذلك، فأجابه  (عليه السلام): «أدّبنا الله فقال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ﴾[3]؛ وكان أحسن منها إعتاقها»[4].

ورُوي أيضاً أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الإمام (عليه السلام) وتبسّم، وقال: «أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرَّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كبيراً»، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنتَ أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم[5].

2. تواضعه
رُوي أنّه (عليه السلام) مرّ على فقراء، وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله إلى الغداء، فنزل، وقال: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ﴾[6]، وجعل يأكل معهم، ثمّ دعاهم إلى ضيافته، وأطعمهم وكساهم[7].

بين الحبّ والولاء
لو أردنا أن نعرج إلى ما واجهه الإمام الحسن (عليه السلام) مع القاعدة الشعبيّة، عند مواجهته الحكمَ الظالمَ في زمانه، فيمكن اختصارها بالآتي:

يتصوّر الكثيرون أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لم يقم بالثورة على غرار ما قام به أخوه سيّد الشهداء (عليه السلام)، وهذا في الواقع من الأخطاء الشائعة بين الناس؛ ذلك أنّ الإمام (عليه السلام) في الحقيقة تحرّك نحو مواجهة معاوية، وانطلق في هذه المواجهة، بل جهّز جيشاً وعتاداً، إلى أن وصل الأمر قاب قوسين أو أدنى من اشتعال الحرب والمعركة، إلّا أنّ شيئاً وقف حائلاً دون ذلك، وهو ما تعرّض له هذا الجيش من اختراقات في صفوفه على صعيد قادته وجنوده، ما جعل الإمام حينها بين خيارين، بين أن يستمرّ من دون تبعات حسنى للحرب، وبين ما قام به من صلح.

والفكرة الأساس هنا، هو أن جيشه وجمهور الناس آنذاك، جميعهم كانوا يهتفون بحبّه، ويعلنون الولاء له، إلّا أنّ ذلك كلّه قد اضمحلّ في الوقت الذي كان ينبغي أن يترجم فيه هذا الحبّ وهذا الولاء تسليماً لأمر الإمام (عليه السلام)، وعدم الانزلاق بحبّ الدنيا وأهوائها، والتراجع خوفاً من الحرب والسيف.

إنّ المشكلة الأساس في هؤلاء، كانت في أنّهم كانوا يحبّون الإمام الحسن (عليه السلام) عاطفيّاً، إلّا أنّهم لم يترجموا حبّهم عمليّاً، فقد بقي في الأذهان والقلوب، حتّى وقع الاختراق فيهم، وضعُفَت نفوسُهم، ما اضطرّ الإمام إلى التنازل عن الحرب العسكريّة.

في الواقع، هذا امتحان كبير لكلّ مؤمن ومسلم، في أن يتسلّح بالإيمان والمعرفة والحبّ، وأن يأخذ التسليم لأصحاب الأمر في صغائر الأمور وكبائرها أساساً في ولائه وحبّه لهم، وإلّا كان ذلك مجرّد مشاعر عاطفيّة لا تغني ولا تسمن من جوع.

 * زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص176.
[2] انظر: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص256.
[3] سورة النساء، الآية 86.
[4] ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ - 1956م، لا.ط، ج3، ص183.
[5] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص164.
[6] سورة النحل، الآية 23.
[7] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص187.

2024-03-18