يتم التحميل...

الدعاء والتضرُّع في شهر رمضان

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

أَوْحَى اللَّهُ إِلَى موسى (عليه السلام): «يَا مُوسَى، كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلاً، وَعَفِّرْ وَجْهَكَ فِي التُرَابِ، وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي اَلْقِيَامِ، وَنَاجِنِي حَيْثُ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ»

عدد الزوار: 212

أَوْحَى اللَّهُ إِلَى موسى (عليه السلام): «يَا مُوسَى، كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلاً، وَعَفِّرْ وَجْهَكَ فِي التُرَابِ، وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي اَلْقِيَامِ، وَنَاجِنِي حَيْثُ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ»[1].

حقيقة الدعاء
الدعاء طلبُ الداني أمراً مِن العالي، على جهة الخضوع والاستكانة؛ أي طلبُ العَبدِ مِن الله عزّ وجلّ العناية والمدد، وهو أمر نفسانيّ. فإذا كان عَن قلبٍ لاهٍ خَرج عن حقيقته.

أهمّيّة الدعاء في الروايات
قال النبِيّ (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي بَعْدَ قِرَاءَةِ اَلْقُرْآنِ الدُعَاءُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[2]؛ «أَلَا تَرَى أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ؟»[3].

العبادة والدعاء
الدعاء عَطف رحمة الله عزّ وجلّ، وتنصيب الإنسان نفسه مقام العبوديّة والمملوكيّة والاتّصال بمولاه بالتبعيّة والذِلّة؛ لذا كانت العبادة -في الحقيقة- دعاء[4].

أهمّيّة الدعاء
إنّ حقيقة الإنسان الفقر، وهو ليس صفة عارضة عليه، بل حقيقته الوجوديّة في قبال الله تعالى. لذا، فَهو محتاج للغنيّ المطلق دائماً، فيدعو الفقيرُ المطلقُ الغنيَّ المطلق؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ﴾[5]. إنّ الدعاء يُشكّل حلقة أو مدرسة تعليميّة تُعرّفُ حقيقة العبادة؛ لذا قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الدعَاءُ مُخُّ‏ العِبَادَة»[6]. والإنسان يحتاج -بفطرته- إلى فتح قناة اتّصال مباشر يلجأ إليها في أيّ آنٍ ومكان، وليس أفضل مِن الدعاء وسيلة.

شروط الدعاء وآدابه

1. معرفة الله تعالى: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «لَوْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِه، لَزَالَتِ الْجِبَالُ بِدُعَائِكُمْ»[7]؛ والمراد معرفته بصفاته وأسمائه الحسنى.

2. الانقطاع إلى الله عمّا سواه: لا بُدَّ للداعي مِن الانقطاع إلى الله وحده، فلا يدخل الأغيار، لأنّ الله تعالى هو الغنيّ المطلق. وَلا يصحّ الدعاء والقلب مَحلٌّ لِغيره؛ قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ﴾[8].

3. حُسن الظنّ بالله تعالى: قال الإمام الرضا (عليه السلام): «أَحْسِنِ الظنَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ بِي؛ إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً»[9]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ، وَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالبَابِ»[10].

4. التذلُّل والخضوع لله: لا بُدَّ للداعي مِن التذلُّل لله تعالى والخضوع له؛ أي استحضار معنى العبوديّة المطلقة للسيّد المطلق.

5. اقتران الدعاء بالعمل: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «يَا أَبَا ذَرٍّ، يَكْفِي مِنَ الدعَاءِ مَعَ البِرِّ مَا يَكْفِي الطعَامَ مِنَ الْمِلْحِ. يَا أَبَا ذَرٍّ، مَثَلُ الذِي يَدْعُو بِغَيْرِ عَمَلٍ، كَمَثَلِ الذِي يَرْمِي‏ بِغَيْرِ وَتَرٍ»[11].

إنّ أهمّ شرط مِن الشروط الباطنيّة للدعاء الإيمان بأنّ الضارّ والنافع هو اللَّه، وَبعنايته، وبأنَّه خير وأبقى، وبألّا خيرَ في الوجود إلّا بِولاية اللَّه وقُربه ولقائه. وعلى المؤمن ألّا يلتذّ بِنِعم اللَّه إلّا لكونها مِن الله، فتنشغل نفسه وعقله وروحه عن الدنيا بحمده وثنائه. وإن غَلَبَ نَظرُ المؤمنين إلى الأسباب، إلّا أنّ الأهمَّ مُسبّبُ الأسباب، فَلا يطلبوا غيره، ولا يخلو دعاؤهم للدنيا مِن دعاء القُرب والرضى، وإن قصرت درجته عن ذلك، فلا أقلّ مِن المغفرة والجنّة[12].

وللدعاء شروط أخرى، منها:
1. قَطع الطمع عن غير اللَّه، والرجاء إلى اللَّه: قال تعالى: ﴿وَٱدۡعُوهُ خَوۡفا وَطَمَعًاۚ﴾[13]، وعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَرَأَ فِي بَعْضِ اَلْكُتُبِ أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: «وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَمَجْدِي وَاِرْتِفَاعِي عَلَى عَرْشِي، لَأَقَطَعَنَّ أَمَلَ كُلَّ مُؤَمِّلٍ مِنَ النَاسِ غَيْرِي بِالْيَأْسِ، وَلَأَكْسُوَنَّهُ ثَوْبَ اَلْمَذَلَّةِ عِنْدَ الناسِ، وَلَأُنَحِّيَنَّهُ مِنْ قُرْبِي، وَلَأُبَعِّدَنَّهُ مِنْ فَضْلِي. أَيُؤَمِّلُ غَيْرِي فِي الشَدَائِدِ، وَالشَدَائِدُ بِيَدِي، وَيَرْجُو غَيْرِي، وَيَقْرَعُ بِالْفِكْرِ بَابَ غَيْرِي، وَبِيَدِي مَفَاتِيحُ الْأَبْوَابِ؟ وَهِيَ مُغْلَقَةٌ، وَبَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي. فَمَنْ ذَا الَّذِي أَمَّلَنِي لِنَوَائِبِهِ، فَقَطَعْتُهُ دُونَهَا؟ وَمَن ذَا الَّذِي رَجَانِي لِعَظِيمَةٍ، فَقَطَعْتُ رَجَاءَهُ مِنِّي؟ جَعَلْتُ آمَالَ عِبَادِي عِنْدِي مَحْفُوظَةً، فَلَمْ يَرْضَوْا بِحِفْظِي، ومَلَأْتُ سَمَاوَاتِي مِمَّنْ لاَ يَمَلُّ مِنْ تَسْبِيحِي، وَأَمَرْتُهُمْ أَلّا يُغْلِقُوا اَلْأَبْوَابَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِبَادِي، فَلَمْ يَثِقُوا بِقَوْلِي»[14].

2. التحميد والتمجيد: قال الإمام الصَادِق (عليه السلام): «إِنَّ فِي كِتَابِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّ اَلمِدْحَةَ قَبْلَ اَلْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا دَعَوْتَ اَللَّهَ فَمَجِّدْهُ»، قيل: كَيْفَ نُمَجِّدُهُ؟ قَالَ (عليه السلام): «تَقُولُ: يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ، يَا فَعَّالاً لِما يُرِيدُ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ اَلْأَعْلَى، يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»[15].

3. دعاء اللّه بأسمائه المناسبة للدعاء: وذِكر نعمه، وشكره، ثمّ الإقرار بالذنوب، والاستغفار، واللبث في الدعاء، وتَرك الاستعجال، والإلحاح، فإنّ اللَّه تعالى يحبّ السائل اللجوج، وأقلّ الإلحاح تكرار الدعاء ثلاث مرّات قبل سؤال الحاجة.

4. الصلاة على محمّد وآله: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ، فَلْيَبْدَأْ بِالصَلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، ثُمَّ يَسْأَل حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِم بِالصلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الطَرَفَيْنِ وَيَدَعَ الوَسَطَ، إِذَا كَانَتِ الصلاَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ لاَ تُحْجَبُ عَنْهُ»[16].

5. الإقبال على الله: الرؤوف الرحمن الرحيم، بِتطهير القلب والروح مِن الأفكار الدنيّة والمحرّمة والمكروهة، لا سيّما هموم الدنيا وهمّ الخوف المكروه، وسوء الظنّ بالله، وعدم الركون إلى مواعيده، فإنّها مهلكة لقلب المؤمن، بل مورثة لإعراض اللَّه جلّ جلاله عنه؛ ﴿وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾[17].

6. الدعاء في الرخاء قبل الوقوع في الشدّة والبلاء.

7. رفع الكفّيْن بالدعاء: قال أَبو بَصِير: سَأَلْتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الدُعَاءِ وَرَفْعِ اَلْيَدَيْنِ، فَقَالَ: «عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُه؛ أَمَّا اَلتَعَوُّذُ فَتَسْتَقْبِلُ اَلْقِبْلَةَ بِبَاطِنِ كَفَّيْكَ، وَأَمَّا اَلدُعَاءُ فِي اَلرِزْقِ فَتَبْسُطُ كَفَّيْكَ وَتُفْضِي بِبَاطِنِهِمَا إِلَى اَلسَمَاءِ، وَأَمَّا اَلتَبَتُّلُ فَإِيمَاءٌ بِإِصْبَعِكَ اَلسَبَّابَةِ، وأَمَّا اَلاِبْتِهَالُ فَرَفْعُ يَدَيْكَ تُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَكَ، وَدُعَاءُ اَلتَضَرُّعِ أَنْ تُحَرِّكَ إِصْبَعَكَ اَلسَبَّابَةَ مِمَّا يَلِي وَجْهَكَ، وَهُوَ دُعَاءُ اَلْخِيفَةِ»[18].

 * زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج90، ص341.
[2] سورة غافر، الآية 60.
[3] قطب الدين الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، مصدر سابق، ص19.
[4] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج10، ص38.
[5] سورة فاطر، الآية 15.
[6] قطب الدين الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، مصدر سابق، ص18.
[7] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج‏17، ص301.
[8] سورة الأحقاف، الآية 5.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج‏2، ص71.
[10] المصدر نفسه، ج‏2، ص473.
[11] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص534.
[12] الملكيّ التبريزيّ، الميرزا جواد آغا، المراقبات (أعمال السنة)، تحقيق السيّد عبد الكريم الموسويّ، مؤسّسة دار الاعتصام للطباعة والنشر والتحقيق، إيران - قمّ، 1416ه، ط1، ص209 (بتصرّف).
[13] سورة الأعراف، الآية 56.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص66.
[15] المصدر نفسه، ج2، ص484.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص494.
[17] سورة فصّلت، الآية 23.
[18] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص480.
 

2024-03-18