يتم التحميل...

التوفيق للمحافظة على الصلاة في شهر رمضان (2)

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

أمير المؤمنين (عليه السلام): «... عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الطَهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ»

عدد الزوار: 93

أمير المؤمنين (عليه السلام): «... عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الطَهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ»[1].

الصلاة وِفاق سُنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله)
إنّ قول الإمام (عليه السلام) «عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ» يعني أن يجعلنا الله مِن المؤدّين لها كما سَنَّها عبدُه ورسولُه، فقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[2]، ونقل حمَّاد بن عيسى أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال له يَوْماً: «يَا حَمَّاد، تُحْسِنُ أَنْ تُصَلِّي؟»، قَالَ: يَا سَيِّدِي، أَنَا أَحْفَظُ كِتَابَ حَرِيزٍ فِي الصَلاةِ، فَقَالَ (عليه السلام): «لا عَلَيْكَ، يَا حَمَّادُ، قُمْ فَصَلِّ». فَقام بَيْنَ يَدَيْهِ، مُتَوَجِّهاً إلى الْقِبْلَةِ...[3] وقد أوضحَت الرواية إلى آخرها كيفيّة الصلاة. ولا شكّ في أنّ للصلاة الصحيحة المقبولة مراتب في كمالها، بِحسبِ المقدار المأتيّ مِن حدودها.

الخشوع في الصلاة
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «عَلَى أَتَمِّ الطهُورِ وَأَسْبَغِه، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِه»؛ وإسباغُ الوضوء إتمامُه وإكمالُه، وهو ذو وجهَيْن: إتمامه على ما فَرَض الله، وإكماله على ما سَنَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومِنه: أسبِغوا الوضوء؛ أي أبلِغوه مواضعه، وأعطوا كلّ عضوٍ حقّه[4].

إنّ الخشوع في الصلاة ناتجٌ عن المعرفة والإيمان بالله عَزَّ وجَلَّ، ونتيجته الإقبال التامّ على الصلاة بِالقلب والجوارح، وعدم الالتفات يميناً أو شمالاً بالنظر إلى الأطراف، وعدم التفكّر في غيرِ الصلاة.

وهو يعني تذلّلُ العبد وخضوعُه واستكانتُه لله تعالى، ومحلّه القلب. وللخشوع أثرٌ سلوكيّ يظهر على الجوارح، ويتمثّل في تعظيم العَبد لحرمات الله تعالى والامتثال لأوامره والانقياد لأحكامه والبكاء من خشيته. إذاً، هو قيام القلب بين يدَي الله بخضوع وذُلّ، كإمامنا عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، الذي إذا قام إلى الصلاة كانَ كساقِ شجرةٍ، لا يتحرّك منه إلّا ما حرّكَته الريح، وكالإمامَيْن الباقر والصادق (عليهما السلام)، إِذ كانا إذا قَامَا إلى الصلَاةِ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمَا؛ مَرَّةً حُمْرَةً، وَمَرَّةً صُفْرَةً، كَأَنَّمَا يُنَاجِيَانِ شَيْئاً يَرَيَانِهِ[5]. وكذلك كان الإمام عليّ (عليه السلام)، فَقد نُقِلَ -في وصف صلاته- أنّه إذا دخل الصلاة كان كأنّه بناء ثابت، أو عمود قائمٌ لا يتحرّك، فَإذا ركع أو سجد وَقع الطير عليه مِن طول ركوعه وسجوده وهدوئه بِلا حركة، فَيَظنّ الطيرُ أنّه ليس إنساناً. ولم يُطِق أحدٌ أن يحكي ويحاكي صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلّا عليّ بن أبي طالب وعليّ بن الحسين (عليهما السلام)[6].

مفهوم الخشوع في القرآن
لقد أَوْلى القرآن الكريم مَوضوعَ الخشوع اهتماماً بالغاً، فَقد أورده في 17 موضعاً بِألفاظ مختلفة. وهو في القرآن على نَوعَيْن: الأوّل نابع من الإيمان والمعرفة، وهو الذي ذكره الله عَزَّ وجَلَّ وأثنى عليه في قوله ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ﴾[7].

والثاني نابع من الخوف والذلّ، وقد ذَكره الله جَلَّ جَلاله في بيان أهوال يوم القيامة بِقوله ﴿يَوۡمَئِذ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسا﴾[8]. ويَعدّ القرآنُ الكريم خشوعَ القلب الأساسَ الذي يَسري إلى الجوارح، ويُقابل بين الخشوع المرتبط ارتباطاً وثيقاً بِذكر الله تعالى وقَسوة القلب وطول الأمد، إذ إنّ سببها عدم ذكر الله تعالى؛ ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِير مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾[9].

أسباب حصول الخشوع
ثمّة أسباب عديدة ذَكرها علماء الأخلاق، مِنها:

1. التوجّه إلى عَظَمة المعبود سبحانه وتعالى: على الإنسان أن يتوجّه إلى عَظَمة المعبود سبحانه وتعالى، وأن يقارن بين صغره وضعته أمام عَظمته تعالى. ومن اللافت افتتاح الصلاة بإعلان العَظمة للذات المقدّسة بِلفظ «الله أكبر»، التي لا شكّ في أنّ التعمُّق فيها يوصلُ إلى إدراكٍ ما، وَلَو على مستوى قدرات الإنسان لِمعنى العَظَمة.

2. التفكُّر في عَظَمة المخلوقات: إنّ الطريق الذي ينبغي على الإنسان سلوكه لتحقيق الخشوع هو التفكير بِعَظَمة المخلوقات، ثمّ الالتفات إلى عَظَمة الخالق الذي خلقها كلّها بإرادة واحدة.

3. التوجُّه إلى ضعف النفس وحقارتها أمام الذات الإلهيّة المقدّسة: إنّ الطريق الأوّل التوجُّه إلى عَظَمة الله تعالى، الذي يلازمه -عادةً- التوجّه إلى حقارة النفس وضعفها وفقرها الحقيقيّ أمامه تعالى. وممّا يُوَلّد حالة الخشوع والانكسار للحقّ تعالى؛ هو أنّ الإنسان بارتكاب الذنوب والمعاصي يجافي وليّ نعمته، فَيكفر بالنعم بدلاً من أن يشكره عليها.

4. الخوف من الله تعالى: مِن العوامل المهمّة لِتوليد الخشوع الخوف مِن الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾[10] و﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾[11]. والخوف -هنا- سببه أعمال الإنسان، فَالله تعالى وضع نظاماً خاصّاً لِعالَم الوجود، ومِنه أنّ آثاراً تترتّبُ على ارتكاب الذنب.

5. التوجُّه إلى صفات الله الجماليّة: يمكن تسمية التوجُّه إلى صفات الله الجماليّة «طريق العشق والمحبّة»، فإذا توجَّه الإنسان نحو هذه الصفات، وَجدَ اللهَ يستحقُّ الثناء والعبادة. ومن المعلوم أنّه كلّما ازداد حُبّ الإنسان لأحدٍ ازداد سَعيه للاقتراب منه، فكلّما ازدادَت محبّة الله في قلب الإنسان ازداد منه قُرباً. فَحُبّ الله تعالى يتولَّد، إذاً، من التوجُّه نحو الصفات الجماليّة له؛ لذا فإنّ حصول الخشوع لله، ومدى شدّته أو ضعفه، منوط بحصول حالة الشوق، والتي تُناط -بِدَورها- بمدى حُبّ الله تعالى[12].

  * زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص188، الدعاء 44.
[2] ابن شهرآشوب المازندرانيّ، محمّد بن عليّ، متشابه القرآن ومختلفه، دار بيدار للنشر، إيران - قم، 1369هـ.، ط1، ج‏2، ص170.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص311.
[4] السيّد عليّ خان المدنيّ الشيرازيّ، رياض السالكين، مصدر سابق، ج6، ص52.
[5] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص159.
[6] المصدر نفسه، ج1، ص159.
[7] سورة المؤمنون، الآيتان 1 - 2.
[8] سورة طه، الآية 108.
[9] سورة الحديد، الآية 16.
[10] سورة آل عمران، الآية 175.
[11] سورة النازعات، الآيتان 40 - 41.
[12] اليزديّ، الشيخ محمّد تقي مصباح، السير إلى الله، ترجمة ماجد الخاقانيّ، دار الولاء للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1430ه - 2009م، ط2، ص374، أسباب الخشوع (بتصرّف).

2024-03-18