التوفيق للمحافظة على الصلاة في شهر رمضان (1)
زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه
«اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنَا فِيْهِ عَلَى مَوَاقِيْتِ الصَلَوَاتِ الْخَمْس، بِحُدُودِهَا الَتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَتِي فَرَضْتَ، وَوَظَائِفِهَا الَتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا، الْحَافِظِينَ لأرْكَانِهَا، المُؤَدِّينَ لَهَا فِي أَوْقَاتِهَا، عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه) فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ»
عدد الزوار: 265«اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنَا فِيْهِ عَلَى مَوَاقِيْتِ الصَلَوَاتِ الْخَمْس، بِحُدُودِهَا الَتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَتِي فَرَضْتَ، وَوَظَائِفِهَا الَتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا، الْحَافِظِينَ لأرْكَانِهَا، المُؤَدِّينَ لَهَا فِي أَوْقَاتِهَا، عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ (صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه) فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ»[1].
تتكوّن الصلاة، بِحسب نَصّ الإمام (عليه السلام)، مِن أُمورٍ لَو تمّ الالتفات والتوجّه إليها والقيام بها، لَكانت الصلاة معراج المؤمن وقُربان كلّ تقيّ، ولَأوصلَت إلى القُرب الإلهيّ، ولَبَرزَت آثارها الروحيّة، ولَتَعَدَّت كونها فَرضاً إلهيّاً مطلوباً من المكلّف مِن الناحية الفقهيّة. فالإمام (عليه السلام) يطلب من الله أن يوقِفَه على أداء الصلاة في مواقيتها وحدودها، والمحافظة على أركانها، كما كان يؤدّيها النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بِآدابها وسُنَنها كلّها.
معاني المفردات[2]
قِفْنَا: أطلِعنا عليه.
المواقيت: أوقات الصلاة.
الفروض: الواجبات.
الوظائف: المراد بها الآداب.
الحافظين لأركانها: واجباتها المبحوث عنها شرعاً.
الفواضل: الدرجة الرفيعة في الفضل.
أتمّيّته: الإتيان به على الوجه المسنون بتمامه.
الطهور: يَعمّ الغسل والوضوء وإزالة النجاسة الظاهريّة والباطنيّة.
أبين الخشوع: أوضحه.
المحافظة على مواقيت الصلاة
حثَّتْ رواياتٌ كثيرة على الصلاة في أوّل وقتها؛ قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَلاةُ، فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا. إِنَّ الصَلاةَ إِذَا اِرْتَفَعَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا رَجَعَتْ إلى صَاحِبِهَا وَهِيَ بَيْضَاءُ مُشْرِقَة، تَقُولُ: حَفِظْتَنِي، حَفِظَكَ اللَّهُ. وإِذَا ارْتَفَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا بِغَيْرِ حُدُودِهَا رَجَعَتْ إلى صَاحِبِهَا وهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَة، تَقُول: ضَيَّعْتَنِي، ضَيَّعَكَ اللَّهُ»[3]، وعَنْه (عليه السلام) في قَول اللهِ جلّ جلاله: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ﴾[4]: «هذِهِ الفَريضَةُ، مَن صَلّاها لِوَقتِها، عارِفاً بِحَقِّها، لا يُؤثِرُ عَلَيها غَيرَها، كَتَبَ اللهُ لَهُ بَراءَةً لا يُعَذِّبُهُ. ومَن صَلّاها لِغَير وَقتِها، غَيرَ عارفٍ بِحَقِّها، مُؤثِراً عَلَيها غَيرَها، كانَ ذلِكَ إلَيهِ عزّ وجلّ؛ فَإِن شاءَ غَفَرَ لَهُ، وإن شاءَ عَذَّبَهُ»[5].
منازل الصلاة وأركانها
يطلب الإمام (عليه السلام) مِن الله أن يجعله من الحافظين لِمَنازل الصلاة وأركانها. وَمنازل الصلاة مراتبُها التي تليق بها، مِن قولهم: عرفتُ لِفلان منزلته؛ أي مرتبته مِن الفضل والشرف، وهو رفيع المنازل. وفي الحديث: «أَنْزِلُوا النَاسَ مَنَازِلَهُم»[6]؛ أي أكرِموا كُلّاً بِحسبِ فضله وشرفه. أمّا الأركان فهي ما تبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها عمداً وسهواً، وهي: النيّة، تكبيرة الإحرام، القيام، الركوع، والسجدتان[7]. وقد يكون المراد كلّ شيء يؤدّي إلى الحفاظ على هذه الصلاة. ثمّ إنّ تكرار ذِكر الأوقات اهتمامٌ بها، فالظاهر أنّ المراد بالمحافظة على المواقيت المحافظةُ على أوّل الوقت وما قَرُب منه، لِقول أبي عبد الله (عليه السلام): «لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَانِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُهُ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ الْوَقْتَيْنِ وَقْتاً، إِلَّا فِي عُذْرٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّة»[8].
المعاني التي تتمّ بها حياة الصلاة[9]
1. حضور القلب: فراغ القلب للصلاة وأفعالها
2. التفهّم: إمعان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى
3. التعظيم: معرفة عظمة الله، ومعرفة حقارة النفس
4. الهيبة: معرفة قدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته
5. الرجاء: معرفة لطف الله وكرمه
6. الحياء: استشعار التقصير في العبادة
الأوّل: حضور القلب؛ أي أن يفرغ الإنسان قلبه مِن غير ما هو ملابس له ومتكلّم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقروناً بهما، ولا يكون الفكر جارياً في غيرهما. فإن انصرف فكره عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذِكر لِما هو فيه، ولم يكن فيه غفلة عنه، فقد حصلَ حضور القلب.
وإنّ سَبب حضور القلب الهمّة؛ فلا يحضر القلبُ إلّا في ما أهمّه، ولا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلّا بصرف الهمّة إلى الصلاة بفَهمِ الغرض المنوط بها، وهو الإيمان والتصديق بأنّ الآخرة خير وأبقى، وأنّ الصلاة وسيلة إليه، فإذا أُضيف هذا إلى حقيقة العِلم بحقارة الدنيا حَصل مِن مجموعهما حضور القلب في الصلاة.
الثاني: تَفَهُّم معنى الكلام، وهو أمر وراء حضور القلب، فربّما يكون القلب حاضراً مع اللفظ، ولا يكون حاضراً مع المعنى، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو المراد. وهذا مقام يتفاوت فيه الناس، فَكَم من معانٍ لطيفة يفهمها المصلّي أثناء الصلاة كما لم يخطر لِقلبه من قبل! هكذا تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر.
وأمّا سبب التفهُّم فصرف الذهن إلى إدراك المعنى، وعلاجه إحضار القلب مع الإقبال على الفكر وَرَفع الخواطر الشاغلة؛ إذ إنّ مَن أحبّ شيئاً أكثر ذِكره، فَذكر المحبوب يَهجم على القلب بالضرورة. لذا، لا يصفو خاطِرُ مَن أحبّ غير الله.
الثالث: التعظيم، وهو أمر وراء حضور القلب والتفهّم، إذ يخاطب الإنسان غيره بكلامٍ حاضرٍ في القلب مُتفهّم لِمعناه، فيعظّمه.
والتعظيم، يتولّد مِن معرفتَيْن؛ إحداهما معرفة جلال الله وعَظَمته، وهي من أصول الإيمان، وثانيهما معرفة حقارة النفس وخسّتها بِكَونها عبداً مسخّراً مربوباً. وتتولّد مِن المعرفتَيْن الاستكانة والانكسار والخشوع لله؛ وهو التعظيم.
الرابع: الهيبة، وهي خوف منشؤه التعظيم، فَمن لا يخاف لا يَهاب، وَمصدرها الإجلال.
والهيبة تتولّد مِن المعرفة بِقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه، وبأنّه لو أَهلك الأوّلين والآخرين لم ينقص مِن مُلكه ذرّة. مُضافاً إلى مطالعة ما جرى على الأنبياء (عليهم السلام) والأولياء (عليهم السلام) مِن مصائب وبلاءات، مع القدرة على الدفع. وكلّما زاد العِلم بالله، زادَت الخشية والهيبة.
الخامس: الرجاء، فالعبد ينبغي أن يكون راجياً بِصلاته ثوابَ الله وخائفاً بِتقصيره من عقابه.
وسببه معرفة كرم الله وعميم إنعامه ولطيف صنعه ومعرفة صدقه في وعده بالجنّة عن طريق الصلاة، فإذا حصل اليقين بِوعده والمعرفة بِلُطفه، انبعث مِن مجموعهما الرجاء لا محالة.
السادس: الحياء، ومستنده استشعار التقصير وتوهُّم الذنب.
وسببه استشعار التقصير في العبادة، وعِلم الإنسان بالعجز عن القيام بِعظيم حقّ الله. وتقوّي ذلك المعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلّة إخلاصها وخبثها وميلها إلى الحظّ العاجل في أفعاله جميعها، مع العِلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله، والعلم بأنّه مطّلع على السريرة وخطرات القلب، وإن دقَّتْ وخفيَتْ. فإذا حصلت هذه المعارف يقيناً، انبعثت فيها -بالضرورة- حال تسمّى الحياء.
* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.
[1] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص188، الدعاء 44.
[2] الشيرازيّ، السيّد عليّ خان المدنيّ، رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين (عليه السلام)، تحقيق السيّد محسن الحسينيّ الأميني، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1415ه، ط4، ج6، ص52.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص268.
[4] سورة المؤمنون، الآية 9.
[5] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن عليّ أصغر فيضيّ، دار المعارف، مصر - القاهرة، 1383هـ - 1963م، لا.ط، ج1، ص135.
[6] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج7، ص177.
[7] السيّد عليّ خان المدنيّ الشيرازيّ، رياض السالكين، مصدر سابق، ج6، ص51.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص274.
[9] الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، صحّحه وعلّق عليه عليّ أكبر الغفّاريّ، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، إيران - قمّ، لا.ت، ط2، ج1، ص371-372 (بتصرّف).