يتم التحميل...

قواعد التعامل مع الناس في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)

زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه

أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَاِجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِي مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، وَأَحِبَّ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبّ لِنَفْسِكَ، وَاِكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَه لَهَا؛ لاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاِسْتَقْبِحْ لِنَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ. وَارْضَ مِنَ النَاسِ مَا تَرْضَى لَهُمْ مِنْكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا عَلِمْتَ مِمَّا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَك»

عدد الزوار: 422

أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَاِجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِي مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، وَأَحِبَّ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبّ لِنَفْسِكَ، وَاِكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَه لَهَا؛ لاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاِسْتَقْبِحْ لِنَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ. وَارْضَ مِنَ النَاسِ مَا تَرْضَى لَهُمْ مِنْكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا عَلِمْتَ مِمَّا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَك»[1].

القاعدة الذهبيّة في المعاملة مع الآخرين

«اجْعلْ نفْسك ميزاناً فيما بيْنك وبيْن غيْرك»
يُشير الإمام عليّ (عليه السلام) إلى أحد أهمّ الأصول الأخلاقيّة والمثل الإنسانيّة، ويُبيّن الطريقة الصحيحة في التعامل مع الناس، وهي طريقة العدل والإنصاف، بأن تجعل نفسك ميزاناً بينك وبين الآخرين. والميزان -عادةً- ذو كفَّتَيْن، يَزِنُ الوزن الصحيح عندما تكونان متساويَتَيْن؛ وفي هذا إشارة إلى أنّه ينبغي عليك أن تحبّ للآخرين ما تحبّه لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها.

وقد وردَت روايات في آداب التعامل مع الناس، وأفرد العلماء في كتب الحديث باباً خاصّاً تحت عنوان «آداب العِشرة» بَيّنوا فيه الطرق العامّة لِمعاشرة الناس وحسن معاملتهم بِنَحوٍ يعكس فيه المؤمن التعاليم الصحيحة. وقَرَن الله عزّ وَجلّ أمر عبادته وتوحيده بِأمر الإحسان إلى الناس، سواء أكان مرتبطاً بالوالدين أو الأصحاب؛ قال تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالا فَخُورًا﴾[2].

تطبيقات القاعدة

بعد أن ذكر الإمام عليّ (عليه السلام) القاعدة العامّة للعِشرة، أورَدَ بعض تطبيقاتها التي يتمكّن الإنسان -بِسُلوكها- مِن اتّباع تعاليم الإسلام، فَوَضّحَ هذا الأصلَ الأخلاقيّ المهمّ في سَبعةِ عناوين، وبَيَّن أبعاده المختلفة:

«فأحْببْ لغيْرك ما تُحبُّ لنفْسك»
لكلّ إنسان طريقة خاصّة في التعامل، وَعليه أن يعامل الناس كما يُحبّ أن يُعامَل. ولا يختصّ هذا بالأخ أو الصديق، بل يشمل الناس كلّهم. فلو أحببتَ أن يُخلِص لك أحدهم في صداقته، فَيبذل لك ما تطلبه منه من مال وخدمات، فعليك أن تبادله بمثل ذلك، فتبذل له ما يَطلبه منك. وإن أحبَبتَ أن يُعاملك عدوّك ومن خاصمتَ بالعدل والإنصاف، فلا يتّهمك بهتاناً، فعليك أن تعامله بمثل ذلك، فلا تُظهر عداوتك له بِظُلمك إيّاه، ولا تتّهمه بما لم يَفعل أو تَقُلْ عنه ما لم يَقُل؛ عن الإمام عليّ (عليه السلام): «اُبْذُلْ لِأَخِيكَ دَمَكَ وَمَالَكَ، وَلِعَدُوِّكَ عَدْلَكَ وَإِنْصَافَكَ، وَلِلْعَامَّةِ بِشْرَكَ وَإِحْسَانَكَ. سَلِّمْ عَلَى الناسِ يُسَلِّمُوا عَلَيْكَ»[3].

«واكْرهْ لهُ ما تكْرهُ لها»
كما حال الحبّ، كذلك الكره والبُغض، فَما تكرهه لنفسك اكرَههُ للآخرين؛ إذا كرهتَ أن يتحدّث عنك الآخرون بالسوء فَعليك أن تتجنّب الحديث عنهم بالسوء، وإذا كرهتَ أن يأخذ الآخرون منك حقّاً فَعليك أن تحذر مِن أخذ حقوقهم.

«ولا تظْلم كما لا تُحبُّ أنْ تُظْلم»
إنّ أكثر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان هو ما يكون فيه ظُلم للغير. ضَعْ نفسك مكان المظلوم، تكتشف صعوبة الظُلم.

«وأحْسِنْ كما تُحبُّ أنْ يُحْسن إليْك»
على الإنسان أن يتذكّر أنّ وجوده وما بين يديه مِن النعمِ هو مِن فضل الله وإحسانه إليه. لذا، عليه أن يبادر إلى الإحسان.

«واسْتقْبِحْ منْ نفْسك ما تسْتقْبحُهُ منْ غيْرك»
ينظر الإنسان إلى بعض ما يصدر عن الغير بِعَين السخط، ويراه قبيحاً، ولكن قبل أن يُصدر حُكمه، فَليَرجع إلى نفسه، وَليَضع نفسه مكان ذلك الشخص، بالظروف نفسها التي يَعيشها، وَليَنظر هل سيقوم بِما يراه قبيحاً أم لا؟

«وارْضَ من الناس بما ترْضاهُ لهُمْ منْ نفْسك»
قد يتعامل بعضهم بِجفاء مع المرءِ فَلا يرضى منهم ذلك. فَلينظر إلى نفسه، هل يُعاملهم أيضاً بجفاء أم يبادر إلى الإحسان إليهم؟

«ولا تقُلْ ما لا تعْلمُ وإنْ قَلّ ما تعْلم»
إنّ أخطر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان ادّعاء العلم، فيقول ما لا يعرف، ويتحدّث بما لا يعلم؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ  مَسۡ‍ُٔولا﴾[4]، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَم، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ...»[5]. كما أنّ الروايات حذّرَت من قَولِ ما يعلمه الإنسان كلّه، فكيف بِقول ما لا يعلم؟ الحقيقة أنّ هذا الأصل الأخلاقيّ المهمّ، لو طُبّقَ بالتفاصيل والأغصان السبعة التي ذكرها الإمام (عليه السلام) في أيّ مجتمع، وعمل به الناس، لَسادَ الصلح والأمن، وَلَزالَت النزاعات والصراعات، ولَبَلغَت المحبّة والتعاون والتكاتف الحدّ الأقصى في واقع الحياة، لأنّ المشاكل الاجتماعيّة تنشأ من جشع بعضهم وطمعه بالنفع والراحة والسعادة، فيما يُريد مِن الآخرين أن يتعاملوا معه بالقيم والعدل، مِن غير أن يلتزم هو بذلك.

 * زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص196.
[2] سورة النساء، الآية 36.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج78، ص50.
[4] سورة الإسراء، الآية 36.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص544، الحكمة 382.

2024-03-18