في وادي الشهادة
رجب
رويَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَثَلُ المجاهدِين في سبيلِ الله، كمَثَلِ الصائمِ القائمِ القانت، لا يزالُ في صومِه وصلاتِه حتَّى يرجعَ إلى أهلِه»
عدد الزوار: 259رويَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَثَلُ المجاهدِين في سبيلِ الله، كمَثَلِ الصائمِ القائمِ القانت، لا يزالُ في صومِه وصلاتِه حتَّى يرجعَ إلى أهلِه»[1].
لقدْ جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ أبوابَ الجنانِ في يدِ عبادِه، وجعلَ مفاتيحَها العملَ الصالحَ في هذه الدنيا، وجعلَ بعضَ هذهِ المفاتيحِ أسرعَ مِنْ غيرِها، وأوسع؛ ومِنْ أوسعِ هذه الأبوابِ الجهادُ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أمَّا بعد، فإنَّ الجهادَ بابٌ منْ أبوابِ الجنَّة، فتَحَهُ اللهُ لخاصَّةِ أوليائِه»[2].
ومِنْ مصاديقِ هذا الجهادِ هُمُ الذينَ خرجوا في هذا السبيل، فأُصيبوا ولمْ تُكتَبْ لهمُ الشهادة؛ هؤلاءِ يصِفُهُمُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه)، فيقول: «جَرحانا هُمْ أشخاصٌ قَطعوا علاقاتِهم -حتّى القلبيَّة- بكلِّ رغَباتِهِم الشخصيّة، فكما الشهيدُ ينقطعُ قلبُه عنْ عواطفِهِ الشخصيَّة، ويتحرَّكُ نحوَ أداءِ التكليف، فكذلكَ جرحانا هُمْ شهداءُ أيضاً، وكانوا قدْ وَضعوا أقدامَهُم في وادي الشهادة، وقدِ اختارَ اللهُ تعالى مجموعةً فرحلَتْ، ومجموعةٌ بقيتْ للاختبارِ والاستمرار، ولكنَّ الجميعَ قدْ نالَ مرتبةَ الشهيدِ والشهادة...»[3].
ولهذا الصنفِ الخاصِّ مِنَ المجاهدينَ مزايا؛ فهُم:
1ـ أصحابُ الأجرِ المستمرِّ والمضاعَف: لمَّا كانتِ الجراحُ نزفاً مستمرَّاً، يتحمَّلُ بسببِها المجاهدُ في سبيلِ اللهِ -وبشكلٍ دائمٍ- التعبَ والأذى، كانَ أجرُهُ مضاعَفاً، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) مخاطباً الجرحى: «إنَّ جهودَكُم وأجورَكُم محفوظةٌ عندَ اللهِ سبحانَه وتعالى، وهي في تزايُدٍ -إنْ شاءَ الله- يوماً بَعدَ يوم؛ لأنَّ أمرَكُم لم ينقَضِ بالمرَّة؛ إنَّكُم، في كلِّ يومٍ وساعةٍ تمرُّ، تقاسُونَ الألمَ والمعاناة، مَعَ أنَّكُم راضونَ محتسِبونَ في هذهِ المعاناة، واللهُ سبحانَه وتعالى يعلمُ ما في قلوبِكُم مِنْ صبر، إلَّا أنَّ لِصبرِكُم هذا أجراً مضاعَفاً في كلِّ دقيقة، وكلِّ ساعة، وكلِّ يوم»[4].
2ـ أصحابُ الصدَقَةِ الجارية: فالجريحُ -ومِنْ خلالِ ما فقدَهُ في ساحةِ القتال- قدْ قدَّمَ صَدَقَةً في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلّ؛ لذا لهُ بابٌ آخرُ مِنَ الأجر، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «وقدْ وردَ في الرواياتِ أنَّ مَنْ تصدَّقَ بشيءٍ -كدرهمٍ مثلاً، أو مالٍ قليل- في سبيلِ الله، أعادَهُ اللهُ عليهِ يومَ القيامةِ مثلَ جبلِ أُحُد، وهذا هو حالُ عملِكُم، فقدْ بذلتُم عضواً مِنْ أعضائِكم، وتقبَّلتُم حِرماناً»[5].
3ـ يَكتبونَ بقَلَمِ الصبرِ بيانَ الحقِّ والمظلوميَّة: يوضِّحُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) -في خطابِه للجرحى- جانباً مهمَّاً منْ حياتِهم، وباباً آخرَ مِنَ الأجر، وهوَ أنَّهُم -ومنْ خلالِ جراحِهم- يكتبونَ بقلمِ الصبرِ بيانَ الحقِّ والمظلوميَّة، يقول: «إنَّ جلوسَكم على الكراسي المتحرِّكةِ -في حدِّ ذاتِه- أو استلقاءَكُم على الأسِرَّةِ، أو سَيرَكُم في الأزقَّةِ والأسواقِ وقدْ فقدتُم أحدَ أعضائِكم، كالعينِ أو اليدِ أو الرِجل، يُعتَبَرُ جهاداً؛ لماذا؟ لأنَّه يُعبِّرُ عنْ ذلكَ الابتلاءِ وتلكَ المِحنةِ الكبيرةِ التي ألـمَّتْ بالشعبِ في تلكَ الفترةِ العصيبة. وأنتُم -في الحقيقة- كاللَّوحَةِ المعبِّرَةِ عَنِ الحربِ والدفاعِ المقدَّسِ لكلِّ مَنْ يراكُم، ولذا، فإنَّ الجريحَ -بوجودِه وحضورِه بينَ الناس- يكشِفُ الستارَ عنْ بعضِ الحقائقِ، حتَّى وإنْ لمْ يتكلَّمْ كلمةً واحدة، ولمْ يشاركْ في أيِّ مراسمَ كمبلِّغٍ ومُبيِّن، فإنَّ وجودَكُم -في حدِّ ذاتِه- يُفصِحُ عنْ حقائقَ تاريخيَّةٍ ومعرفيَّةٍ وسياسيَّةٍ ودوليَّة. وهذا في نفسِه لهُ أجرٌ وثوابٌ عندَ اللهِ سبحانَه وتعالى»[6].
ختاماً، نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ولا سيَّما الجرحى، الولاداتِ الشعبانيَّةَ المباركة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص13.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص4.
[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء عوائل الشهداء والمضحّين في محافظة خراسان الشماليّة، بتاريخ 13/10/2012م.
[4] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء عدداً من جرحى الحرب المفروضة وعوائلهم، بتاريخ 20/09/2015م.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.