ما هي المواقف التي واجهها الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه؟
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
بعد أن صالح الإمامُ الحسن معاوية، بدأ الجاهلون عديمو الوعي يذمّونه بمختلف العبارات، حتّى كان بعضهم يُسلّم عليه بـ "مذلّ المؤمنين"[1]، ويقولون له إنّك بصلحك هذا قد أذللت المؤمنين المتحمّسين لقتال معاوية،
عدد الزوار: 462بعد أن صالح الإمامُ الحسن معاوية، بدأ الجاهلون عديمو الوعي يذمّونه بمختلف العبارات، حتّى كان بعضهم يُسلّم عليه بـ "مذلّ المؤمنين"[1]، ويقولون له إنّك بصلحك هذا قد أذللت المؤمنين المتحمّسين لقتال معاوية، واستسلمت له. وفي بعض الأحيان كانوا يستخدمون عبارات أكثر احترامًا وأدبًا، إلا أنّ المضمون كان واحدًا. وقد قام الإمام الحسن عليه السلام في مقابل هذه الاعتراضات والملامات بمخاطبتهم بجملة لعلّها هي الأبلغ في كلّ خطبته: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾[2]، وهي آيةٌ قرآنية، وكأنّه يريد أن يقول: قد يكون ما جرى فتنة لكم وامتحانًا، أو إنّه متاعٌ محدود لمعاوية.
وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنّ الإمام كان ينتظر المستقبل، وهذا المستقبل لا يمكن أن يكون سوى أنّ الحكومة الّتي لا يُمكن أن تكون مقبولة بنظر الإمام الحسن عليه السلام والّتي هي على غير الحقّ، يجب أن تتنحّى جانبًا، وتأتي حكومة وفق رأيه. لهذا، كان يقول لهم: إنّكم لستم مطّلعين على فلسفة هذا الأمر، فماذا تعلمون؟ لعلّ هناك مصلحة في هذا الأمر[3].
الإمام الحسين عليه السلام وموقفه من المعترضين
لم يكن بالإمكان تفادي الصلح مع معاوية، فلا مناص منه، بل يمكننا القول أيضاً إنَّ من كان في موقف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام نفسه، وفي مثل ظروفه، لا يمكن إلّا أن يقوم بمثل ما قام به الإمام الحسن عليه السلام، بما في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام نفسه. ولا يستطيع أحدٌ أن يقول إنَّ ذلك العمل الذي قام به الإمام الحسن عليه السلام هو مثارٌ للتّشكيك. كلّا، ففعله عليه السلام كان مطابقًا للاستدلال المنطقيّ الّذي لا يقبل التخلّف.
فلو سألنا من هو الأكثر ثوريّة من بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الّذي فاقهم في اصطباغ حياته بصبغة الشّهادة، وفاقهم حميّةً للمحافظة على الدّين ومواجهة العدوّ، لوجدنا أنّه الحسين بن عليّ عليه السلام، وهو عليه السلام قد شارك الإمام الحسن عليه السلام في هذا الصّلح، فلم يعقد الإمام الحسن الصّلح وحده، بل عقداه معًا، غاية الأمر أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان المتقدّم يتبعه الإمام الحسين في ذلك.
كان الإمام الحسين عليه السلام أحد الذائدين عن مبدأ صلح الإمام الحسن عليه السلام. وعندما بدر اعتراضٌ من أحد الأنصار المقرَّبين ـ من هؤلاء المتحمّسين الثائرين ـ على ما فعله الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ردّ عليه الإمام الحسين عليه السلام، "وغمز الحسين حجراً"[4]، وليس هنالك من يقول: لو كان الإمام الحسين مكان الإمام الحسن لما وقّع الصّلح، كلا، فلقد كان الإمام الحسين إلى جانب الإمام الحسن، ووقّع الصلح، ولو لم يكن الإمام الحسن عليه السلام وكان الإمام الحسين عليه السلام وحيدًا في تلك الظّروف، لحدث ما حدث، ولوقع الصلح.
تاريخ النبي وأهل البيت عليهم السلام، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] ابن شعبة الحرانيّ، الحسن بن علي، تحف العقول، نشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم، الطبعة الأولى، قم، 1403هـ، ص 308.
[2] سورة الأنبياء، الآية 111.
[3] مجلة پاسدار إسلام، 6.
[4] السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج حسن الأمين، دار التعارف - بيروت، ج1، ص571.