من طلب الحق فأخطأه!!
الإسلام والحياة
على الرغم من أنّ الخوارج كفّروا عليًّا علانيةً، إلّا أنّه لم يقطع عنهم حصصهم من بيت المال؛ لأنّه اعتبرهم جهلاء. كانوا يحضرون إلى المسجد وينتحون جانبًا منه يتحلّقون فيه. وعندما كان الإمام يخطب، كانوا يقطعون عليه خطابه وينادون "لا حكم إلّا لله" أو "الحكم لله لا لك يا علي"
عدد الزوار: 426أيّ مصيبة أكبر وأفجع من اغتيال علي بن أبي طالب عليه السلام على يد "عبد الرحمن بن ملجم" الخارجي المذهب؟! لم يكن بينهما، كما قال الإمام نفسه، أي عداء شخصي أو اختلاف، بل كان أمير المؤمنين عليه السلام قد أحسن إليه كثيرًا من قبل، إلّا أن هذا الرجل الجاهل الجريء اعتقد - وفق مذهبه الخارجي - أنّ عليًّا كافر، وأنّه واحد من الثلاثة الّذين أثاروا الفتنة بين المسلمين. ولذلك اجتمع في مكّة مع اثنين آخرين وتعاهدوا على قتل علي و"معاوية" و"عمرو بن العاص" في ليلة واحدة، واتّفقوا أن تكون ليلة التاسع عشر من شهر رمضان أو السابع عشر منه. فلماذا تعيين تلك الليلة؟
جعلوا شعارهم "لا حكم إلّا الله"، ولكنّ الإمام علي عليه السلام لعلمه بسوء حظّهم وأنّهم مساكين تاهوا في طريق الضلال، لم يكن يقسو عليهم، على الرغم من استمرار إزعاجهم له. حتى إنّه قال: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحقّ فأخطأهُ كمن طلب الباطل فأدركه"[1]. فهؤلاء يختلفون عن "معاوية" وأصحابه، لأنّهم يريدون الحقّ والدين، ولكنّهم لجهلهم وعدم إدراكهم وقعوا في الخطأ. أمّا "معاوية" و"عمرو بن العاص" وأتباعهما فقد كانوا منذ البدء يطلبون الدنيا ويُتابعونها.
وعلى الرغم من أنّ الخوارج كفّروا عليًّا علانيةً، إلّا أنّه لم يقطع عنهم حصصهم من بيت المال؛ لأنّه اعتبرهم جهلاء. كانوا يحضرون إلى المسجد وينتحون جانبًا منه يتحلّقون فيه. وعندما كان الإمام يخطب، كانوا يقطعون عليه خطابه وينادون "لا حكم إلّا لله" أو "الحكم لله لا لك يا علي"[2].
وفي يوم من الأيام، كان علي عليه السلام يُصلّي جماعة، وكان أحد الخوارج حاضرًا في المسجد، وعندما بدأ الإمام بالقراءة، قرأ الرجل هذه الآية: ﴿وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾[3]، كناية عن أنّك قد كفرت وأشركت. ولكن لما كان من آداب الاستماع إلى القرآن الصمت عند قراءته، فقد صمت علي عليه السلام ولم يُقاطعه حتى انتهى الرجل من قراءة الآية، فشرع الإمام بالقراءة ثانية، إلّا أنّ الرجل عاد فتلا الآية نفسها مرّة ثانية، فصمت الإمام عليه السلام احترامًا للقرآن، حتى انتهى الرجل، فهمّ بالقراءة، وإذا بالرجل يُكرّر تلاوة الآية للمرّة الثالثة، ومرّة أُخرى سكت الإمام عليه السلام احترامًا للقرآن. وعندما انتهى الرجل من تلاوة الآية، تلا الإمام عليه السلام الآية التالية: ﴿فَٱصبِر إِنَّ وَعدَ ٱللَّهِ حَقّ وَلَا يَستَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾[4]، فسكت الرجل ولم يعد.
لقد أثار هؤلاء بتهوّرهم واندفاعهم رهبة عجيبة بين الناس، وكانت عبارة "لا حكم إلّا لله" تُثير الخوف في النفوس. وجاء "عبد الرحمن بن ملجم" إلى الكوفة، واتصل باثنين آخرين من الخوارج وأمضوا الليلة الموعودة في المسجد. وفي اللحظة الّتي أصاب فيها السيف مفرق علي عليه السلام سمعت صرخة والتمع ما يشبه البرق في ظلمة الليل. كانت الصرخة "ابن ملجم" وهو يقول: "لا حكم إلا لله"، وكان البرق التماعة السيف على مفرق علي عليه السلام.
الإسلام والحياة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق
[1] نهج البلاغة، ص 94.
[2] م.ن، ص9.
[3] سورة الزمر، الآية 65.
[4] سورة الروم، الآية 60.