كيف يؤدي الحرص السلبي إلى سوء العاقبة؟
المهتدون
تُطالعنا الآيات القرآنية الكريمة بخبر من أخبار خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام وكيف أمر قومه بتوحيد الله عزّ وجلّ، ونهاهم عن بخس المكيال والميزان وطالبهم بإيفاء الحقوق لأصحابها...
عدد الزوار: 328تُطالعنا الآيات القرآنية الكريمة بخبر من أخبار خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام وكيف أمر قومه بتوحيد الله عزّ وجلّ، ونهاهم عن بخس المكيال والميزان وطالبهم بإيفاء الحقوق لأصحابها، قال الله تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[1]، ولكن الخصال الذميمة التي كانت تحتويها نفوسهم حالت دون فلاحهم، فحرص القوم على المزيد من الملذّات الدنيوية، والطمع في التكاثر في الأموال والثروات دفعهم إلى أن يُديروا ظهورهم للحقّ، ويتركوا دعوة نبيّهم عليه السلام، ويُنكروا التعاليم الإلهية الّتي جاء بها هذا النبي الكريم قائلين له: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾[2]، وفي كتاب الله تعالى العديد من الآيات القرآنية التي بيّنت كيف أنّ الحرص المذموم كان أحد أهمّ أسباب الكفر بالله تعالى، وبالتّالي سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
اليهود والحرص المذموم
لا يُمكن لمن يُريد أن يستعرض أو يُشير إلى النتائج السلبية والعواقب الوخيمة لحالة الحرص والطمع وحبّ الدنيا على الإنسان من دون أن يمرّ على أعمال اليهود في هذا الشأن كونهم شربوا من قدح الحرص حتى الثمالة، فقد ذمّهم الباري عزّ وجلّ قائلاً: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾[3]. فهم حريصون على جمع الثروات، حريصون على حيازة مقدّرات الشعوب والتسلّط على الدنيا، حريصون على الملك وتسلم زمام الأمور لإفساد الخلائق..، والعجيب أنّهم أحرص على ذلك من المشركين الّذين لا يلتزمون بأيّ دين، ولا يعتقدون بأيّة شريعة سماوية، في حين إنّ التعاليم الموسوية تذمّ هذه الحالة السلبية السيّئة، كما أنّ المفروض بالإنسان الملتزم بالدين والشريعة أن تؤثّر فيه التعاليم الإلهية، وتحدّ من حرصه على الدنيا: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[4] فهؤلاء من شدّة حرصهم على الدنيا، وبدافع الخوف من العذاب الإلهي الّذي ينتظرهم بسبب جرأتهم على الله وظلمهم الجائر، وعدوانهم وغصبهم لحقوق غيرهم، وسفكهم لدماء الأبرياء، فإنّه لا يوجد شيء يُبغضونه كما يُبغضون الموت: ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ﴾[5] كما أنّ حالتهم في هذا العصر لم تختلف عنها في العصور السابقة، بل يعيشون حالة الحرص الشديد أشدّ وأكثر من السابق.
والتاريخ المعاصر يشهد بأنّهم وراء كلّ الفتن الّتي احترقت الشعوب بسعير نيرانها، وحمم الجنايات المرافقة لها، فما أكثر الحروب الدامية الّتي أشعلوها بين أبناء المجتمعات البشرية، وما أكثر دماء الأبرياء المسفوكة، والّتي أُريقت من جرّاء مخطّطاتهم وتدابيرهم الخسيسة، وما أكثر الأسلحة والمواد المخدّرة الّتي تاجروا بها لإفساد وتدمير العلاقات الاجتماعية بين أبناء البشر، وما أكثر الكذب والدجل الذي يروّجونه بين الناس من خلال تحكّمهم بوسائل الإعلام العالمية الّتي يوجّهها الصهاينة واليهود ويقفون وراءها، كلّ ذلك في سبيل المزيد من الحرص على تدعيم أركان سيطرتهم على مقدّرات الأُمم والشعوب، وللأسف الشديد أن تجد الكثير من المسلمين في هذه الأيّام يُساعدونهم على إنجاح ما خطّطوا له، وما هم ماضون في تنفيذه.
المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الأعراف، الآية 85.
[2] سورة هود، الآية 87.
[3] سورة البقرة، الآية 96.
[4] سورة البقرة، الآية 96.
[5] سورة البقرة، الآيتان 94 و 95.