يتم التحميل...

قلب الإنسان وحلاوة المناجاة

المهتدون

على من يُفتّش عن حلاوة المناجاة مع الله تعالى أن يحدّ من تعلّقاته الدنيويّة. بل عليه أن يغضّ طرفه حتّى عن الأمور غير المحرّمة كي لا تحلّ محلّ حبّ الله عزّ وجلّ، ذلك أنّ القرآن الكريم يقول:

عدد الزوار: 24

على من يُفتّش عن حلاوة المناجاة مع الله تعالى أن يحدّ من تعلّقاته الدنيويّة. بل عليه أن يغضّ طرفه حتّى عن الأمور غير المحرّمة كي لا تحلّ محلّ حبّ الله عزّ وجلّ، ذلك أنّ القرآن الكريم يقول: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾[1]، أي: لا يمكن الجمع بين حبّين متضادّين في قلب واحد. فإنْ كان أحد الحبّين هو بمثابة شعاع للحبّ الآخر، كحبّ أهل البيت عليهم السلام بالنسبة لحبّ الله تعالى، فلا تنافي بينهما حينئذٍ، ذلك أنّ الأوّل هو شعاع نفس ذاك المنبع وهو ناشئ من المصدر نفسه.
 
أمّا إذا أردتَّ أن يُشرق حبّ الله في قلبك فعليك أن تُخرج حبّ الدنيا منه، فيتعيّن عليك في بادئ الأمر أن تُحاول جهدك أن لا تتذوّق لذّة المعصية، لأنّ المرء إذا تذوّق الذنب فسيُحبّه، فالإنسان يُحبّ ما يلتذّ به، ومن هنا فإنّ ترك المرء للذنب يُساعد على عدم التعلّق به، ذلك أنّه لم يذق طعمه. وفي مثل هذه الحالة فإنّه سيوفَّق إلى المناجاة والدعاء والأنس مع الله جلّ وعلا، وكما قال الإمام الباقر عليه السلام فإنّ بإمكانه أن يوفّق إلى التوبة عن طريق الدعاء والمناجاة في ظلمات الليل، ففي مثل هذه الظروف يودّ المرء لو يُناجي محبوبه وهو مختَلٍ به ولا تعود المناجاة والدعاء ثقيلين بالنسبة له. فعندما يُحبّ المرء أحداً حبّاً عظيماً فإنّه يرغب أن يراه بمفرده ويتجاذب معه أطراف الحديث، وأن يسمع كلامه، ويُطيل النظر إليه، فعندما يتذوّق العبد حلاوة المناجاة يودِع الله تعالى في قلبه جاذبيّة ويجذبه نحوه بصورة يودّ لو طالت هذه المناجاة وهذه الحالة سبعين سنة.
 
فما أحسن أن نعمل في الليالي بتوصيات الإمام الباقر عليه السلام وأن نبدأ من حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "استرجع سالف الذنوب"، أي: أن نتصفّح سجلّ ذنوبنا ونُفكّر فيما فعلنا من قبائح وما ابتُلينا به من مآسي بسبب استمرار تبعات الذنب والتفريط بالعبادات وأعمال الخير. فللننظر كيف فرّطنا برؤوس أموالنا وكيف نقبع اليوم - حتّى ولو كنّا لا نُدرك ذلك - في وسط نار جهنّم وليس لأيّ أحد إلاّ الله أن يهبّ لنجدتنا ويُغيثنا. فيوم القيامة هو ذلك اليوم الذي سيفرّ فيه كلّ امرئ من الآخر وسيتورّط كلّ امرئ بتبعات أعماله: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾[2]، وسينشغل كلّ شخص بنفسه: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[3]، فإنْ حاول الإنسان تجسيد هذه الوقائع في مخيّلته فستحصل عنده حالة من الندم الحقيقيّ وسيعزم جرّاء ذلك على ترك المعصية وتدارك الماضي، وعندها سيهبّ الله لنصرته ويمنحه حال مناجاته ويُذيقه حلاوة محبّته، فإنْ تذوّق العبد حلاوة مناجاة ربّه فسينجح في جبران ماضيه ويفيد إفادةً قصوى من مستقبله"[4].
 
قال مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حسن العبادة"[5].
 
* من كتاب: المهتدون - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الأحزاب، الآية 4.
[2] سورة البقرة، الآية 48.
[3] سورة عبس، الآية 37.
[4] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزديّ ألقاها في مكتب الإمام الخامنئي في قم بتاريخ 21 آب، 2011م.
[5] الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، الفصل العاشر في عبادة الله، الحكمة 3935.

2025-06-18