الغِنى والتوكُّلِ
محرم
عَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «ما استغنى أحدٌ باللهِ، إلَّا افتقرَ الناسُ إليه؛ ومَنِ اتَّكلَ على حُسْنِ اختيارِ اللهِ عزَّ وجلَّ لهُ، لمْ يتمنَّ أنَّهُ في غيرِ الحالِ التي اختارَها اللهُ تعالى له»
عدد الزوار: 266عَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «ما استغنى أحدٌ باللهِ، إلَّا افتقرَ الناسُ إليه؛ ومَنِ اتَّكلَ على حُسْنِ اختيارِ اللهِ عزَّ وجلَّ لهُ، لمْ يتمنَّ أنَّهُ في غيرِ الحالِ التي اختارَها اللهُ تعالى له»[1].
يَحْمِلُ المؤمنُ في شخصيَّتِه صفاتٍ وملكاتٍ تؤهِّلُهُ لكي يقومَ بما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ويؤدِّيَ التكاليفَ الملقاةَ عليه على المستويَينِ الفرديِّ والاجتماعيِّ.
ويجمعُ كلامُ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) صفتَينِ في غايةِ الأهمِّيَّة، مَنْ يَتَحَلَّ بهما يفُزْ بنتائجَ مهمَّةٍ في حياتِه، وتنعكِسُ في سلوكِه وتعامُلِه مَعَ الأمور:
الصفةُ الأولى: الغِنى باللهِ عزَّ وجلَّ: بأنْ تكونَ علاقةُ الإنسانِ باللهِ عزَّ وجلَّ علاقةَ العبوديَّةِ التامَّة، والتي تَبرزُ فيها صِفةُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الذي يكفُلُ لَهُ كلَّ ما يحتاجُ إليهِ في هذه الدنيا؛ إيماناً بقولِه تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾[2].
والخطوةُ المهمَّةُ للوصولِ إلى ذلك، ما وردَ عَنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه): «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ، فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ»[3].
ثمَّ القناعةُ بمعنى أنْ يرى في ما يصِلُه كفايةً، فلا يطمعَ بالمزيد، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ»[4].
ثمَّ عدمُ رجاءِ أحدٍ مِنَ الناس، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الغنى الأكبرُ، اليأسُ عمَّا في أيدي الناس»[5].
الصفة الثانية: الاتّكالُ على اللهِ عزَّ وجلَّ: بأنْ يكونَ الاعتمادُ على اللهِ عزَّ وجلَّ وحدَهُ، مَعَ الاعتقادِ بأنَّ مقاليد الأمور بيدِه، وأنَّه يختارُ لعبادِه ما فيه مصالحُهُم. وتفسيرُ التوكُّلِ كما وردَ في حديثِ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) عَنْ جَبرائيل: «العِلمُ بأنَّ المَخلوقَ لا يَضُرُّ ولا يَنفَعُ، ولا يُعطي ولا يَمنَعُ، واستِعمالُ اليَأسِ مِنَ الخَلقِ؛ فإذا كانَ العَبدُ كذلكَ، لَم يَعمَلْ لأحَدٍ سِوَى اللَّهِ، ولَم يَرْجُ ولَم يَخَفْ سِوَى اللَّهِ، ولَم يَطمَعْ في أحَدٍ سِوَى اللَّهِ؛ فهذا هُو التَّوكُّلُ»[6].
وبابُ التوكُّلِ أيضاً هو الثقةُ باللهِ عزَّ وجلَّ، كما وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنْ وَثِقَ باللَّهِ، توكَّلَ عليه»[7].
وعلامَةُ التوكُّلِ هو ما وردَ في صِفَةِ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) على لسانِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لمْ يكن رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) يقولُ لشيءٍ قد مضى: لو كانَ غيرَه»[8].
وهذا يكشِفُ عَنِ امتلاكِ العبدِ مقامَ الرضا، وهو أعلى الطاعاتِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ والطاعةُ هي قِوامُ العبوديَّة، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «رأسُ طاعةِ اللهِ، الرضا بما صنعَ اللهُ فيما أحبَّ العبدُ وفيما كَرِه»[9].
ختاماً، نعزِّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمين، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ عليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في الخامسِ والعشرينَ مِنْ شهرِ المحرَّمِ، سنةَ 95 هجريَّة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص142.
[2] سورة هود، الآية 6.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص139.
[4] المصدر نفسه.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص534، الحكمة 342.
[6] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص261.
[7] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص432.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص63.
[9] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص197.