يتم التحميل...

لماذا كل الذُّنوب شديدة؟

مآب المذنبين

روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "الذّنوب كلّها شديدة، وأشدُّها ما ينبت عليه الّلحم والدَّم لأنَّه إمَّا مرحومٌ وإمَّا معذَّبٌ والجنَّة لا يدخلها إلّا طيّب"

عدد الزوار: 62

روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "الذّنوب كلّها شديدة، وأشدُّها ما ينبت عليه الّلحم والدَّم لأنَّه إمَّا مرحومٌ وإمَّا معذَّبٌ والجنَّة لا يدخلها إلّا طيّب"[1].
 
فالذّنوب كلّها شديدةٌ أي بحسب ذواتها، لأنَّها مخالفةٌ للأوامر الإلهية وهذا هو وجه شدّتها، وإن كان بعضها أشدّ من بعض، وأشدّها - حسب الرواية - ما ينبتُ عليه اللحم والدم الذي قد يشمل أكل الحرام والإصرار على المعصية من دون تكفيرها بالتوبة.
 
لأنّ الإنسان المرحوم هو من كفّرت ذنوبه بالتوبة أو البلاء في الدنيا، ويقابله المعذّب وهو الذي لم تكفّر ذنوبه بأحد الوجوه المتقدّمة، والجنة لا يدخلها إلا طيّبٌ: أي طاهرٌ وخالصٌ من الذُّنوب[2].
 
وعليه فالذنوب كلّها شديدةٌ، وجميعها كبائر ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ لا ذاتيةٌ وإنما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ونطلق عليها لفظ الكبائر بالإضافة والنسبة إلى ما هو أصغر منها[3]. فالجرح بالنسبة إلى القتل صغيرةٌ، وبالنسبة إلى اللطم كبيرةٌ، والزنا بالنسبة إلى النظرة المحرَّمة كبيرةٌ[4].
 
وعليه يُفهم من الرواية المتقدِّمة ضرورة تجنُّب كلّ ذنب يُعلَم كونه ذنباً حسب ما نصَّت عليه الشريعة الإسلامية، بل ينبغي تجنُّب كلّ ما يُحتمل أنّه كذلك وذلك لعظمة مقام الله تعالى وحقّ طاعته، فإنّ الجرأة على ذاته المقدَّسة محتملة حتَّى مع وجود الاحتمال، فمن احتمل أنّ في الكأس خمراً فعليه عقلاً أن يمتنع عن شربه لا لمفسدة الخمر وضرره فحسب، بل لعظمة الله ووجوب طاعته في كلّ الموارد المحتملة.
 
محقّرات الذنوب
للشيطان أبوابٌ كثيرةٌ ومداخل مختلفةٌ يأتي منها ابن آدم ويستدرجه إلى المعاصي. وإنَّ أكثر بابٍ يتسلَّلُ منه إلى قلوب الناس هو باب احتقار الذُّنوب واستصغارها من قبلهم، وذلك بعد أن ييأس الشيطان من إسقاطهم في كبائر الذنوب يسعى جاهداً لإيقاعهم في الصغائر، بل قد يصرُّون عليها، لأنّها بحسب تصنيفهم من صغائر الذنوب. لكنّه لو علم مدى خطورتها عليهم لما وقعوا فيها ولما أصرّوا عليها. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تنظروا إلى صغر الذنب، ولكن انظروا إلى من اجترأتم"[5].


وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّها لا تغفر"، قلت: (أي الراوي): وما المحقّرات؟ قال: "الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لم يكن لي غير ذلك"[6].
 
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً"[7].
 
وروي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذرّ (رضوان الله عليه): "يا أبا ذرّ: إنّ الرجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتَّى يأتي الله وهو عليه غضبان، وإنّ الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمناً يوم القيامة"[8].
 
فالمحقّرات من الذُّنوب هي الذُّنوب التي يحتقرها الإنسان ويستصغرها، ويستهين بها، ويقول حسب ما ورد في بعض الروايات "أُذنِب وأَستغفر"، والله تعالى يقول: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[9].
 
فالذي يحقّر ذنبه ويستسهل أمره، ألا يدري أنّ الذنب مهما كان صغيراً أو حقيراً فإنَّه من حيث كونه معصيةً لله العظيم فإنّه يُعدّ أمراً عظيماً، فلا ينبغي للمؤمن أن يحقّر شيئاً من الذنوب فقد لا يُغفر له بسبب تحقيره واستخفافه بها.
 
والصغيرة قد تقترن بقلّة الحياء وعدم المبالاة بها، وترك الخوف والاستهانة بالله العظيم والإصرار عليها، وهذا بالمناسبة ما يمنع من شمول الشَّفاعة للمذنب، فتتحوّل هذه الصغيرة إلى كبيرةٍ من الكبائر كما صرّحت الروايات[10].
 
مآب المذنبين، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص27.
[2] مولي محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني ، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، 1421 - 2000م، ط 1،ج9، ص244.
[3] راجع: الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، ص144 (بتصرف).
[4] وممن يذهب إلى هذا الرأي: الشيخ المفيد، وابن البراج الطرابلسي، وأبو الصلاح الحلبي، وابن إدريس الحليّ، و الشيخ الطوسي بل نسبه الطبرسي في تفسيره مجمع البيان إلى أصحابنا مطلقاً.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص168.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص287.
[7] م.ن، ج2، ص270
 [8]الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، 1392 - 1972م، ط 6، ص462.
[9] سورة يس، الآية 12.
[10] كما سيأتي في الدروس اللاحقة.

2023-06-26