صغائر الذّنوب
مآب المذنبين
إنّ المؤمن يفرح بطاعته لله عزّ وجلّ، ويحزن لمعصيته ويندم عليها، ويحاول الخروج من أسرها والعودة إلى الطاعة من جديد، فيستغفر من ذنبه ويُتبِع سيّئته بحسنة لعلَّها تمحوها، ولا يزال العبد في قلقٍ ما دام يغلب على عمله الخلط بين الحسنات والسيّئات، ولا ريب أن فرحه بالطاعة لا يكتمل حتَّى يخرج من دائرة الحزن والقلق التي تشُدُّه إليها ذنوبه.
عدد الزوار: 1181
تمهيد:
إنّ المؤمن يفرح بطاعته لله عزّ وجلّ، ويحزن لمعصيته ويندم عليها، ويحاول الخروج من
أسرها والعودة إلى الطاعة من جديد، فيستغفر من ذنبه ويُتبِع سيّئته بحسنة لعلَّها
تمحوها، ولا يزال العبد في قلقٍ ما دام يغلب على عمله الخلط بين الحسنات والسيّئات،
ولا ريب أن فرحه بالطاعة لا يكتمل حتَّى يخرج من دائرة الحزن والقلق التي تشُدُّه
إليها ذنوبه.
والخطر الأكبر على المؤمن يكمن في ارتكابه الكبائر من الذّنوب التي تُشكِّل أزمةً
حقيقيةً في سلوكه إلى الله، ولكن الصغائر أو اللمم - التي قد يتجاوز الله عنها -
ربما تُوهِمُ بعضَ النَّاس أن المساحة بينها وبين الكبائر شاسعةٌ جداً، فهو حين
ارتكابه للصغيرة سيكون في مأمن من ارتكابه للكبيرة، وهذا حتماً من تسويلات النَّفس
الأمَّارة بالسُّوء ووسوسة الشَّيطان. ذلك أنّه ثمّة تجاذُبٌ وتبادلٌ بين الكبائر
والصغائر يسقط فيها الغافلون، ويتهشَّم في إطارها ذلك الفاصل الزجاجي الرقيق بين
صغائر الذّنوب وكبائرها فلا يصحوا أولئك الغافلون عن خطر بعض الصغائر إلا وقد
تلبَّسوا بالكبائر؛ فالصَّغائر ممهّداتٌ للكبائر وخطواتٌ على طريق الوقوع فيها،
ولعلَّ أبلغ تعبيرٍ في القرآن في هذا المجال قوله تعالى:
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾1.
فعلى المؤمن أن يتجنَّبَ الصَّغائر، وأن يلتفت إلى الموارد التي تنقلب فيها هذه
الصَّغائر إلى كبائر كما يُستفاد من بعض الرِّوايات، إذ وردَ عن الإمام الرِّضا
عليه السلام: "الصَّغائر من الذّنوب طرقٌ إلى الكبائر، ومن لم يخَف الله في القليل لم يَخَفْهُ
في الكثير..."2.
الصغائر طرق إلى الكبائر:
ذكرت الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة عليهم السلام العديد من الموارد التي
تتبدّل فيها الصغائر إلى كبائر، نذكر منها:
1- الإصرار على الذَّنب:
يستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث الشَّريفة أنَّ ممارسةَ الذَّنب لعدّة مرَّاتٍ
وعدمَ المبادرة إلى التوبة يُعدّ إصراراً على الذَّنب الذي هو عين المعصية لله
تعالى، فقد روي عن الإمام علي عليه السلام قوله: "إيّاك والإصرار فإنّه من أكبر
الكبائر، وأعظم الجرائم"3.
مثاله: العين بحسب الروايات قد تزني، وزناها النظر، ولكن زنا النظر أصغر من الزِّنا
المصطلح، فمع الإصرار والمواظبة على هذا النظر يصبح هذا النوع من الزنا كبيرة؛ فقد
قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنوب إِلاَ اللهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾4.
فالآية كما هو واضح تشترط أنه إذا ترك الإنسان الإصرار صحّت توبته وغفر الله ذنبه.
فالإصرار على الذَّنب يستوجب الاستهانة بأمر الله تعالى وعدم رعاية مقامه تعالى،
سواءً أكان الذَّنب المذكور من الصَّغائر أم من الكبائر5.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع
الاستغفار"6. وروي عن الإمام علي عليه السلام: "من أصرّ على ذنبه؛ اجترأ على ربه"7.
فالإصرار لا يُبقي الصَّغيرة على حالها؛ لأنَّ الإصرار عليها معصيةٌ أخرى
تنضمُّ إلى الأولى، فما دام مصرِّاً على ما يفعله توالت المعاصي وتكاثرت وتراكمت
حتَّى تغدو كبيرةً، ولاسيّما إذا كان الإصرارُ يتضمَّنُ الاستهانةَ بالله تعالى
وأوامره.
والسبب في تحويل الصَّغيرة إلى كبيرة هو تراكم الظلمة على القلب الذي هو أشبه
بالصدأ الذي يصيب الحديد، وينتشر فيه شيئاً فشيئاً، ويشتدّ كلّما تراكم الصدأ عليه
فيؤدّي إلى تلفه، وهكذا ارتكاب الصغائر والإصرار عليها.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنَّ رسول الله نزل بأرض قرعاء، فقال
لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب! قال:
فليأتِ كلّ إنسان بما قدر عليه. فجاؤوا به حتَّى رموا بين يديه بعضه على بعضه، فقال
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: هكذا تجتمع الذّنوب، ثم قال: إيّاكم والمحقّرات
من الذّنوب؛ فإنّ لكل شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء
أحصيناه في إمام مبين"8.
معاني وأوجه الإصرار:
ذُكِر للإصرار عدة أوجه منها:
- أن يذنب الذَّنب فلا يستغفر منه أصلاً.
- أن لا يحدّث نفسه بتوبة، فذلك إصرار أيضاً.
- الإكثار من الذّنوب، سواء أكانت من نوع واحد أو أكثر.
- المداومة على نوع واحد منها.
والمحصّلة التربوية من فكرة الإصرار على الذَّنب، أن الاستغفار لا ينفع مع الإصرار
على الذّنب المتكرِّر منه مهما كان الذنب صغيراً، وهذا معنى قولهم: "لا كبيرة مع
الاستغفار "(طبقاً لشروط الاستغفار)! كما أنَّ من يكرّر الصَّغيرة ولا يتبعها
استغفاراً فإنَّ ذلك يحوِّلُها إلى كبيرةٍ، وهو معنى قولهم: "لا صغيرة مع الإصرار".
2- الاستهانة بالذَّنب:
قد مرَّ هذا الموضوع تحت عنوان المحقَّرات من الذّنوب، وقيل إنّ هذه الذُّنوب لا
تُغفر بسبب تحقيرِها والاستهانةِ والاستخفافِ بها.
فلو فرضنا أنَّ أحداً رمى شخصاً عمداً بالرَّصاص فجرحه، وبعد ذلك أراد أنْ يتوبَ من
ذنبه، فندم واعتذرَ من الشَّخص المضروب، فمن الممكن أن يسامحَهُ ويصفحَ عنه، مع أن
ما ارتكبه كبيرةٌ!
ولكن لو فرضنا أنه رماه بالحصى الصغير عمداً مراراً، ولم يعتذر منه بحجَّة أنّها
مسألةٌ بسيطةٌ وليست سبباً مهمّاً للاعتذار، واستخفَّ بهذا الأمر واستصغره، فمن
الطَّبيعي أن لا يسامحَه ولا يصفحَ عنه؛ لأنّ ما فعلَهُ نابعٌ من تكبُّره واستهانته
بذنبه.
وقد روي عن سماعة، أنه قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: "لا تستكثروا كثيرَ
الخير، ولا تستقلّوا قليلَ الذّنوب؛ فإنّ قليلَ الذّنوب يجتمعُ حتَّى يكون كثيراً.
وخافوا الله في السرّ حتَّى تقطعوا من أنفسكم النَصَف 9"10.
فينبغي على المؤمن أن لا يلتفت إلى قَدْرِ المعصية وحجمها، ولكن إلى قَدْرِ من عصى،
فلا ينتهك حرمات الله تعالى.
3- الابتهاج والسُّرور واللذّة عند الابتلاء بالذَّنب:
الابتهاج هو الإحساس باللذّة والسُّرور عند اقتراف الذَّنب، كأنْ يشعرَ براحةٍ
خاصَّةٍ لما يصدر عنه من معاصٍ، فإنَّ المعصية -وإن كانت صغيرةً- قد تتحوَّلُ إلى
كبيرةٍ بسبب الابتهاج بها. فبعضهم يقع في المعصية فيسعد بها أو يتظاهر بالسَّعادة
أمام الآخرين، فهذا السُّرور بالذَّنب أكبر من الذَّنب نفسه؛ فقد روي عن الإمام علي
عليه السلام: "شرُّ الأشرار من يتبجَّحُ بالشرّ"11، وعنه عليه السلام أيضاً:
"من
تلذَّذ بمعاصي الله أورثه الله ذل"12.
وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إيّاك والابتهاج بالذَّنب؛ فإن الابتهاج
به أعظم من ركوبه"13. وعنه عليه السلام أيضاً: "حلاوةُ المعصية يفسدُها أليم
العقوبة"14.
4- اقتراف الذَّنب عند الطُّغيان:
إنّ من الأسباب التي تبدِّل الصَّغائر إلى كبائر هو صدور الذَّنب عن حالة من
الطُّغيان، والطُّغيان يعني تجاوز الحدّ. فتهاون الإنسان وارتكابه للصغيرة من غير
أن يعبأ بأمرها هو مصداق للطُّغيان والاستهانة بأمر الله تعالى؛ فقد قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوَى﴾15، وبالمقابل قوله تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفس عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾16.
فالطُّغيان، إذن، وإيثار الحياة الدُّنيا يؤدّيان إلى الجحيم،
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى﴾17 فإنَّ ذلك يؤدّي إلى الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في وصيّته لابن مسعود: ولا تؤثرون الحياة
الدُّنيا على الآخرة باللذات والشهوات؛ فإنّه تعالى يقول في كتابه:
﴿فَأَمَّا مَنْ
طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنيا..﴾18،19.
يقول الله متحدِّثاً عن جزاء الطغيان والطغاة:
﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ
مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَاد﴾20، ويقول أيضاً:
﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً﴾21.
5- الاغترار بالسِّتر الإلهي:
من الموارد التي تحوّل الذَّنب الصَّغير ذنباً كبيراً، أن يخالج المذنبَ تفكيرٌ بأنّ
عدم مجازاة الله السريعة له تدلّ على عدم سخطه عليه، وأنه تعالى أمهله في الدُّنيا
وسترَ عليه، ولن يعاقبَهُ في الآخرة.
وقد جاء معنى ذلك في قوله تعالى:
﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلاَ
يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ
الْمَصِيرُ﴾22، فهم كانوا يقولون لو كان
محمد صلى الله عليه واله وسلم نبياً لعذّبنا الله، فقال تعالى:
﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّم﴾ أي يكفيهم ذلك عذاباً، وهذا دليل على اغترارهم بعدم تعرّضهم للعذاب في
هذه الدُّنيا، وطمعهم بأن يكون ذلك هو مصيرهم يوم القيامة أيضاً!!
6- التَّجاهر بالمعصية:
إنّ التَّجاهر بالذَّنب أمام النَّاس يبدِّلُ الذُّنوب الصَّغيرة إلى كبيرة؛ لأنَّ
هذا التجاهر يعبِّر عن صفة التجرّؤ على الأوامر الإلهية والاستهانة بها.
فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: "المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة،
والمذيع بالسيِّئة مخذولٌ، والمستتر بالسيِّئة مغفورٌ له"23.
فالمذيع بالسيِّئة مخذولٌ؛ لأنَّ في إذاعتها استخفافٌ بالدِّين، واستهانة بالذَّنب،
وتبجّحٌ به، واستحسان له، وترويج له بين العوام، وهتكٌ لما ستره الله عليه بفضله،
وكلُّ ذلك مذموم عقلاً ونقلاً، وفضلاً عن ذلك أنّه يقرب من الكفر.
روي عن الإمام علي عليه السلام: "إيّاك والمجاهرة بالفجور؛ فإنّه من أشد المآتم"24.
وعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "كلّ أمتي معافى إلا المجاهرين الذين
يعملون العمل بالليل فيستره ربه، ثم يصبح فيقول: يا فلان، إنّي عملت البارحة كذا
وكذا، فيكشف ستر الله عزوجل"25.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّي لأرجو النّجاة لهذه الأمّة لمن عرف حقنا
منهم إلا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى أو الفاسق المعلن"26.
7- ذنوب المؤمنين:
من خلال مراجعة الروايات نرى أنَّ أئمَّة أهل البيت عليهم السلام تحدّثوا عن هذا
النوع من الذّنوب بشكلٍ خاص، لأنَّ له بعدين:
- البُعد الفردي: وهو الذي يكون نطاق أثره محصوراً بشخص المذنب.
- البُعد الاجتماعي: وهو الذي يتعدى نطاق تأثيره الجانب الفردي ليطال
المجتمع لأن المذنب ليس فرداً عادياً.
فصاحب المقام الاجتماعي مثلاً، لو ارتكب ذنباً ما - وكان من الصغائر- فبالنسبة
لشخصه فإنه يُعتبر صغيرةً، وأمّا بالنسبة إلى بُعده الاجتماعي فإنه يُعتبر كبيرةً؛
لأنه يوفّر الأرضية والبيئة للانحراف والإغواء للآخرين ما قد يؤدّي تدريجياً إلى
الاستهانة بالأوامر المولوية لله تعالى. فقد رُوي أنّ الإمام الصادق عليه السلام
خاطب شيعته قائلاً: "فإنّ الرجل إذا ورع في دينه، وصدق في الحديث، وأدّى الأمانة،
وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل:
هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير دلك دخل عليّ بلاؤه، وعاره، وقيل: هذا أدب جعفر"27.
ومن هنا كان ذنب المؤمن الذي يدّعي التولّي لأهل البيت عليهم السلام واتِّباعهم هو
أشدّ من غيره، لأن ذنب الموالي ينسب لهم بالعنوان العام بنظر العرف، ولو كان على
نحو التلميح والإشارة، وكفى بذلك توهيناً لأئمة الدِّين عليهم السلام وما يمثِّلونه
من قيادة إلهية للناس.
فقد روي عن الشَّقراني مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: خرج
العطاء أيام أبي جعفرٍ المنصور ومالي شفيعٌ، فبقيتُ على الباب متحيّراً، وإذا أنا
بجعفر الصادق عليه السلام ، فقمت إليه، فقلت له: جعلني الله فداك، أنا مولاك
الشَّقراني، فرحَّبَ بي، وذكرتُ له حاجتي، فنزلَ ودخلَ، وخرج، وأعطاني من كمّه
فصبّه في كمّي، ثم قال: "يا شقراني، إن الحَسَن من كلِّ أحدٍ حَسَنٌ، وإنّه منك
أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحدٍ قبيح، وإنّه منك أقبح"28.
فالمفهوم من الرواية أن المقام الاجتماعي أو الديني، هو أحد أسباب شدّة قبح الذنوب،
وأن فعل الخير والحسن، والطاعة التزاماً وتمسّكاً بالولاية، يترتّب عليه ثواب
يتناسب مع هذا القرب والولاء والتمسُّك بهم، وهو ما عبَّرت عنه بعض الرِّوايات
بعبارةِ "لمكانك منّ" أو "قربك منّ".
المفاهيم الرئيسة
1. المؤمن بالله يفرح بطاعته لله عزّ وجلّ، ويحزن لمعصيته ويندم عليها، ويتجنَّبَ
الصَّغائر دائماً، ويلتفت بحرص على الموارد التي يمكن أن تنقلب فيها هذه الصَّغائر
إلى كبائر.
2. الإصرار على الذنوب الصغيرة وعدم المبادرة إلى التوبة، من الأمور التي يمكن
بسببها أن تنقلب هذه الصغائر إلى كبائر.
3. الاستهانة والاستخفاف بأمر الله تعالى وعدم رعاية الحرمات الإلهية مهما صغرت أو
قلّ شأنها من العوامل التي تحوِّل الصغائر إلى كبائر.
4. السُّرور والابتهاج بالذَّنب أعظم من ركوبه، فالذي يفرح بما اقترفته يداه من
الآثام مهما كانت صغيرة لن يمرَّ وقت حتى تنقلب آثامه الصغيرة إلى كبائر.
5. اغترار الإنسان بعدم مجازاة الله السريعة له، وأنه تعالى أمهله في الدُّنيا
وسترَ عليه، ولن يعاقبَهُ في الآخرة من الموارد التي تحوَّل الذَّنب الصَّغير ذنباً
كبيراً.
6. المجاهرة بالذَّنب أمام النَّاس يبدِّلُ الذُّنوب الصَّغيرة إلى كبيرة؛ فهو يكشف
عن صفة التجرّؤ على الأوامر الإلهية والاستهانة بها.
للمطالعة
سقر تحرق جهنّم
إن جميع نيران جهنم، وعذاب القبر والقيامة وغيرها مما سمعت، هي جهنم أعمالك التي
تراها هناك كما يقول تعالى:
﴿... وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا...﴾29.
لقد أكلت مال اليتيم وتلذَّذت بذلك ولكن الله وحده يعلم ما هي صورة هذا العمل في
ذلك العالم والتي ستراها في جهنم، وما هي نتيجة اللذة التي ستكون نصيبك هناك؟ الله
يعلم أي عذاب شديد ينتظرك بسبب تعاملك السيّء مع الناس وظلمك لهم في ذلك العالم؟
ستفهم أي عذاب قد أعددت لنفسك بنفسك، عندما اغتبت؟ فإنّ الصورة الملكوتية لهذا
العمل قد أعدت لك وسترد عليك وتحشر معها، وستذوق عذابها، وهذه هي جهنّم الأعمال وهي
يسيرة وسهلة وباردة وملائمة للعاصين، وأما الذين زرعوا في نفوسهم الملكة الفاسدة
والرذيلة السيئة الباطلة كالطمع والحرص والجدال والشره وجب المال والجاه والدنيا
وباقي الملكات، فلهم جهنم لا يمكن تصوّرها، لأن تصوّر تلك لا يمكن أن تخطر في قلبي
وقلبك، بل تظهر النار من باطن النفس ذاتها، وأهل جهنم أنفسهم يفرون رعباً من عذاب
أولئك، وفي بعض الروايات الموثقة أن هناك في جهنم وادياً للمتكبرين يقال له "سقر"،
وقد شكا الوادي إلى الله تعالى من شدة الحرارة وطلب منه سبحانه أن يأذن له
بالتنفّس، وبعد أن أذن له تنفس، فأحرق سقر، جهنم30.
وأحياناً تصبح هذه الملكات سبباً في أن يخلد الإنسان في جهنّم لأنها تسلبه الإيمان
كالحسد الذي ورد في رواياتنا الصحيحة عن أبي عبدالله عليه السلام: قال: "إنَّ
الحَسَدَ يَأْكُلُ الإيمَانَ كَمَا تَأْكُلَ النَّارُ الحَطَبَ"31. وكحب الدنيا
والجاه والمال... 32
1- البقرة، 168.
2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص193.
3 - وسائل الشيعة، ج11، ص368.
4 - آل عمران، 135.
5 - راجع: الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص21.
6- أصول الكافي، ج2، ص288.
7 - وسائل الشيعة، ج11، ص368.
8 - أصول الكافي، ج2، ص288.
9- النَصَف والنصفة (بفتحتين): اسم من الإنصاف، وهو لزوم العدل في المعاملات مع
الله تعالى وغيره.
10 - أصول الكافي، ج2، ص287.
11-غرر الحكم، ص462.
12 - غرر الحكم، ص186.
13 - بحار الأنوار، ج75، ص159.
14 - غرر الحكم، ص186.
15 - النازعات، 37-39.
16 - النازعات، 40-41.
17 - النازعات، 40-41.
18- النازعات، 37- 38.
19- مكارم الأخلاق، ص455.
20 - ص، 55- 56.
21 - النبأ، 21- 22.
22 - المجادلة، 8.
23- أصول الكافي، ج2، ص428.
24- مستدرك الوسائل، ج11، ص368.
25 - كنز العمال، ج4، ص239.
26- الكافي، ج8، ص128.
27- أصول الكافي. ج2، ص636.
28- بحار الأنوار، ج47، ص350.
29- الكهف،49.
30-عن أبي عبدالله أن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر، شكا إلى الله عز وجل
شدة حرّه فسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم أصول الكافي، المجلد الثاني،
باب الكبر ـ ح 10
31 - أصول الكافي،ج2،باب الحسد، ح2.
32 - الأربعون حديثا، الإمام الخميني ،الحديث الأول، ص 49.