تلاوةُ المتّقين
شهر رمضان
في خطبةِ المتّقين، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في وصفِهِم: «أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ، يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ...
عدد الزوار: 345في خطبةِ المتّقين، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في وصفِهِم: «أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ، يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ، رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ. وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ. فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ»[1].
إنّ مِنْ أفضلِ أعمالِ شهرِ رمضانَ، تلاوةَ القرآن، ففي خطبةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) في استقبالِ شهرِ رمضانَ المبارك: «ومَنْ تلا فيه آيةً مِنَ القرآن، كانَ له مِثلُ أجرِ مَنْ ختمَ القرآنَ في غيرِه مِنَ الشهور»[2].
ولهذه التلاوةِ درجات، والمطلوبُ منها هو ما يحقِّقُ الغاية؛ أي صفاءَ القلوبِ واستعدادَها لتلقِّي الفيضِ الإلهيِّ في هذا الشهر، والتي هي تلاوةُ المتَّقينَ، الذي يَظهرُ أثرُ التلاوةِ على نفوسِهِم رهبةً ورغبة؛ ولذا وردَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «إنَّ هذه القلوبَ تصدأُ كما يصدأُ الحديد»، فقيل: يا رسولَ الله، فما جلاؤها؟ قال: «تلاوةُ القرآن»[3].
وفي معرضِ حديثِ الإمامِ الخمينيِّ (قُدِّسَ سِرُّه) عنْ رفعِ الموانعِ والحُجُبِ بين المستفيدِ والقرآن، يقول: «ومِنَ الحُجُبِ المانعةِ مِنْ فَهمِ القرآنِ الشريف، ومِنَ الاستفادةِ منْ معارفِ هذا الكتابِ السماويِّ ومواعظِه: حجابُ المعاصي، والكدوراتُ الحاصلةُ مِنَ الطغيانِ والعصيانِ بالنسبةِ إلى ساحةِ ربِّ العالمينَ المقدَّسة، فتحجُبُ القلبَ عنْ إدراكِ الحقائق»[4].
ويقولُ أيضاً في حديثِهِ عَنِ الحُجُبِ التي عبَّرَ عنها القرآنُ بأنَّها أقفالُ القلوب: «ومِنَ الحُجُبِ الغليظةِ التي هي سَترٌ صفيقٌ بيننا وبين معارفِ القرآنِ ومواعظِه: حجابُ حُبِّ الدنيا، فيَصرِفُ القلبُ بواسطتِهِ تمامَ همَّتِه في الدنيا، وتكونُ وِجهةُ القلبِ تماماً إلى الدنيا، ويغفُلُ القلبُ بواسطةِ هذه المحبَّةِ عنْ ذكرِ الله، ويُعرِضُ عَنِ الذكرِ والمذكور. وكلّما ازدادتِ العلاقةُ بالدنيا وأوضاعِها، ازدادَ حجابُ القلبِ وساترُه ضخامةً، وربَّما تغلِبُ هذه العلاقةُ على القلب، ويتسلَّطُ سلطانُ حُبِّ الجاهِ والشرفِ على القلب، بحيثُ يطفِىءُ نورَ فطرةِ اللهِ بالكلّية، وتُغلَقُ أبوابُ السعادةِ على الإنسان. ولعلَّ المرادَ مِنْ أقفالِ القلوبِ المذكورةِ في الآيةِ الشريفة: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[5]، هذه الأقفالُ وأغلالُ العلائقِ الدنيويَّة»[6].
كما أنَّ لهذا الشهرِ الكريمِ ارتباطاً خاصّاً بالقرآنِ الكريم، فهو شهرُ نزولِ القرآن، بل وسائرِ الكُتُبِ السماويَّة، كما وردَ في الروايةِ عَنِ النبيِّ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) أنَّهُ قال: «نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ»[7].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] نهج البلاغة، ص304، الخطبة 193.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص95.
[3] الراونديّ، الدعوات، ص237.
[4] راجع: الإمام الخمينيّ، آداب الصلاة، ص288.
[5] سورة محمّد، الآية 24.
[6] راجع: الإمام الخمينيّ، آداب الصلاة، ص289.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص629.