يتم التحميل...

روعة أن تكون وصولاً ومعطاء

الأخلاق الإسلامية

إنّ تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى كان همّ الأئمة من أهل البيت  عليهم السلام. فكانوا يبذلون قصارى جهدهم في تعليم أهل الإسلام أحكامه الشرعية

عدد الزوار: 20

إنّ تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى كان همّ الأئمة من أهل البيت  عليهم السلام. فكانوا يبذلون قصارى جهدهم في تعليم أهل الإسلام أحكامه الشرعية، وتلقينهم المعارف المحمّدية، وكانوا يُعرّفون المسلم المؤمن ما له وما عليه كي يبقى في ساحة رحمة الله تعالى، وألا يخرج منها إلى ساحة الشيطان. وهذا الإمام الصادق  عليه السلام يوجّه كلّ مسلم، فيقول له بقول مطلق: "صِل من قطعك"، مع أنّ الذي يتبادر إلى أذهان أكثر الناس أنّ الصلة تكون تلقائياً لمن وصلك، وتكون أيضاً للأرحام لأنّها تُزكّي الأعمال وتُنمّي الأموال وتدفع البلوى وتُيسّر الحساب وتُنسئ في الأجل، فلماذا طلب حفيد الرسالة في قوله هذا أن نصل كلّ من قطعنا سواء كان من الأقارب أو الأباعد؟
 
طلب منّا ذلك كي نبقى في ساحة رحمة الله تعالى، وألّا نخرج منها إلى ساحة الفاسقين الخاسرين كما تقدّم. وبيان ذلك في ما قاله الله سبحانه، فتأمّله وتدبّره، فإنّه عزّت آلاؤه يقول: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[1]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[2]، وإنّ من تأمّل هذه الآيات يجد أنّ القطيعة صفة من صفات الفاسقين، ومصاحبة لنقض عهد الله وميثاقه، وقرينة الفساد في الأرض لا تفترق عنه. وأنّ عاقبة من يعمل بها الخسران واللعنة وسوء الدار. بينما نجد الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل قد وصفهم الباري بأجمل صفات أهل الإيمان وأوجبَ لهم سكنى الجِنان، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾[3]، ولأهمّية هذه الوصيّة تركها مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام أمير المؤمنين علي  عليه السلام في قائم سيفه، وقد وجدها الإمام لمّا ضمّ إليه سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى ذلك الحسين ذو الدمعة[4] ابن حليف القرآن زيد الشهيد، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن علي  عليهم السلام قال: وجدتُ في ذؤابة أو علاقة سيفه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أحرف: "صِل من قطعك، وقل الحق ولو على نفسك، وأحسن إلى من أساء إليك"[5].
 
وحول قول الصادق (عليه السلام): أعطِ من حرمك، هذه الكلمة دعوة من الله ورسوله نقلها لنا الإمام الصادق  عليه السلام، يوجهنا بها إلى الإحسان لأن الإحسان هو الدين كله، وتكليفنا يكمن في أن نحسن عبادتنا، ونحسن صنعتنا، ونحسن علاقاتنا، ونحسن إلى كل من حولنا نحسن كما أحسن الله إلينا، فإذا أحسنت إلى أحد، ولم يقابل إحسانك بإحسان، أو لم يشكرك أو أساء إليك. لا ترغب عن الإحسان إليه وإلى غيره بسبب الكفران، فإنه إذا لم يشكرك فقد يشكرك غيره، ولو لم يشكرك أحد، فأنت تعد أحد المحسنين، والله تعالى يحب المحسنين كما نطق بذلك الكتاب المبين، فأنت ممن يحبهم الله تعالى، وكفي بذلك شرفاً وفضلاً على عملك بخير خلائق الدنيا، فقد روى الإمام الصادق  عليه السلام فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: "ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة. العفو عمن ظلمك، وأن تصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك، وفي التباغض الحالقة[6] لا أعني حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين"[7].
 
روى أحمد بن عيسى العلوي، قال قال لي جعفر بن محمد  عليه السلام: "إنّه ليعرض لي صاحب الحاجة، فأُبادر إلى قضائها، مخافة أن يستغني عنها صاحبها، ألا وإنّ مكارم الدنيا والآخرة في ثلاثة أحرف من كتاب الله عزّ وجلّ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْعَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[8]، وتفسيره أن تصل من قطعك، وتعفو عمّن ظلمك، وتُعطي من حرمك"[9].
 
عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: سمعته يقول: "إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يُنادي منادٍ: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كُنّا نصل من قطعنا ونُعطي من حرمنا ونعفو عمّن ظلمنا، قال: فقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنّة"[10].
  
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الرعد، الآية 25.
[2] سورة البقرة، الآيتان 26-27.
[3] سورة الرعد، الآيات 19-22.
[4] يكنى أبا عبد الله، ويُلقّب ذا الدمعة لكثرة بكائه، وهو من كبار رجالات العترة النبويّة الطاهرة، قد شهد حرب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم توارى، وكان مقيماً في منزل الإمام جعفر بن محمد الصادق  عليه السلام، والإمام  عليه السلام هو الذي تولّى تربية الحُسين ذي الدمعة منذ شهادة أبيه، وأخذ عن الإمام الصادق  عليه السلام علماً كثيراً، فلما لم يذكر فيمن طُلب من قِبل سلطات بني العباس ظهر لمن يأنس به من أهله وإخوانه، ثم ظهر بعد ذلك بالمدينة ظهوراً تامّاً إلّا أنه كان لا يُجالس أحداً، ولا يدخل إليه إلّا من يثق به، يراجع مقاتل الطالبيين لأبو الفرج المرواني الأموي الأصبهاني، ج1، ص331، طبعة: دار المعرفة، بيروت، بتصرف.
[5] أبو سعيد أبن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري، معجم أبن الأعرابي، ج2، ص744، حديث رقم 1507، طبعة: 1، دار ابن الجوزي، وروى هذا الحديث أيضاً حافظ بغداد ومسندها عثمان بن أحمد أبو عمرو بن السماك.
[6] قال الإمام أمير المؤمنين علي  عليه السلام في وصيته: "إنّي أُوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي، وولدي، ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم ولا تموتُنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام، وأنّ المُبيرة الحالقة للدين . فساد ذات البَيْن، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم"، يراجع الشيخ الكليني، الكافي، ج7، ص51.
[7] الشيخ المفيد، الأمالي، ص181، والشيخ المُحدث الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، الزهد، ص15، باختلاف ألفاظ.
[8] سورة الأعراف، الآية 199.
[9] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص644.
[10] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص108، والشيخ المُحدث الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، الزهد، ص93.

2023-03-23