يتم التحميل...

خطوات الوصول للصدق مع النفس ومع الله عز وجل

أخلاقنا الإسلامية

الصدق عبارة عن الصراحة والوضوح مع النفس، فالمؤمن الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه وأخطائه، ويصحّحها، فهو يعلم أنّ الصدق طريق النجاة. وما لم يكن الإنسان صادقاً مع نفسه فلا يمكنه أن يحقّق أيّ نوع من أنواع الصدق. والصدق مع النفس بداية التغيير، يقول الأديب الروسيّ تولستوي: "كلّ واحد يفكّر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكّر في تغيير نفسه".

عدد الزوار: 28

الصدق عبارة عن الصراحة والوضوح مع النفس، فالمؤمن الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه وأخطائه، ويصحّحها، فهو يعلم أنّ الصدق طريق النجاة. وما لم يكن الإنسان صادقاً مع نفسه فلا يمكنه أن يحقّق أيّ نوع من أنواع الصدق. والصدق مع النفس بداية التغيير، يقول الأديب الروسيّ تولستوي: "كلّ واحد يفكّر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكّر في تغيير نفسه".
 
وهناك عدّة خطوات للوصول إلى الصدق مع النفس، نذكر منها:

1- معرفة النفس:
عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: "العارف مَن عرف نفسه فأعتقها ونزّهها عن كلّ ما يبعدها ويوبقها"[1]، وقال: "مَن عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها"[2]. وقال: "مَن لَم يَعرِف نَفسَهُ بَعُدَ عَن سَبيلِ النَّجاةِ، وخَبَطَ فِي الضَّلالِ والجَهالاتِ"[3].
 
2- التمييز بين الأمور السيّئة والحسنة:
ومعرفة أنّ السيّئة مصدرها العبد، والحسنة مصدرها الله، قال سبحانه: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾[4], عَنْ الإمام الرِّضَا، قَالَ: سَأَلْتُه، فَقُلْتُ: اللَّه فَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ، قَالَ: اللَّه أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ: اللَّه، أَعْدَلُ وأَحْكَمُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "اللَّه يَا ابْنَ آدَمَ! أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ وأَنْتَ أَوْلَى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي، عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ"[5].
 
3- تخصيص وقت معين للمحاسبة:
احرص على تخصيص وقت معيّن كلّ يوم للتفكير بشكل عميق في أفعالك وحاسب نفسك، قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[6]، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ولَا يَكنْ لَه رَجَاءٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّه عَزَّ ذِكْرُه، فَإِذَا عَلِمَ اللَّه عزّ وجلّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِه لَمْ يَسْأَلْه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه، فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُه أَلْفُ سَنَةٍ، ثُمَّ تَلَا: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[7]،[8].
 
الثاني: الصدق مع الله
ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو تمحيض النيّة وتخليصها لله، بألّا يكون له باعث في طاعاته، بل في جميع حركاته وسكناته، إلّا الله. فالشوب يبطله ويكذّب صاحبه[9]. فمن عمل عملاً لم يخلص فيه النيّة لله، لم يتقبّل الله منه عمله، والمسلم يخلص في جميع الطاعات بإعطائها حقّها وأدائها على الوجه المطلوب منه.
 
قال تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾[10], فقال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[11].
 
قال تعالى: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾[12], وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[13].
 
الآية الأولى تقول بأنّ هؤلاء ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ﴾ فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإيمان، أو فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم، ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ في دينهم ودنياهم من نفاقهم[14].
 
والآية الثانية تقول: إنّ هؤلاء المهاجرين ليسوا من أصحاب الادّعاءات، بل هم رجال حقّ وجهاد، وقد صدقوا الله بإيمانهم وتضحياتهم المستمرّة. وفي مرحلة أخرى يصفهم سبحانه بالصدق، ومع أنّ الصدق له مفهوم واسع، إلّا أنّ صدق هؤلاء يتجسّد في جميع الأمور: بالإيمان، وفي محبّة الرسول، وفي التزامهم بمبدأ الحقّ[15].
 
* من كتاب: كُن صادقاً - دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص53.
[2] م.ن، ص453.
[3] الريشهري، محمّد: ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص 1876.
[4] سورة النساء، الآية 79.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 157، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح3.
[6] سورة الإسراء، الآية 14.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص 143، حديث النفس، ح108.
[8] سورة السجدة، الآية 5.
[9] النراقي، ملا محمّد مهدي: جامع السعادات، ج2، ص 258، تحقيق: السيّد محمّد كلانتر، تقديم: الشيخ محمّد رضا المظفر، النجف الأشرف، مطبعة النعمان، ط4.
[10] سورة محمد، الآية 21.
[11] سورة الأحزاب، الآية 23.
[12] سورة محمد، الآية 21.
[13] سورة الحشر، الآية 8.
[14] الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير، ج6، ص 359.
[15] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مصدر سابق، ج18، ص 192.

2025-05-07