عَظَمَةُ التسليمِ للهِ عزَّ وجلَّ
شعبان
عَنِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام): «مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ لَمْ يَتَمَنَّ غَيْرَ مَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ»
عدد الزوار: 393عَنِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام): «مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ لَمْ يَتَمَنَّ غَيْرَ مَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ»[1].
مِنَ الصفاتِ التي على الإنسانِ المؤمنِ أنْ يسعى لترسيخِها في نفسِه في علاقتِه باللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يكونَ على يقينٍ مِنْ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يختارُ لهُ مِنَ الأمورِ ما يكونُ فيه خيرٌ له، وبذلكَ يعيشُ حالةَ التوكُّلِ والتسليمِ التامِّ للهِ عزَّ وجلّ، ولا يعودُ نظرُه إلى ما يجري عليه في عمرِه إلَّا خيراً، بل يرقى الإنسانُ في معرفتِه حتّى لا يتمنَّى أمراً غيرَ ما وقعَ عليه؛ لأنَّه ممَّا اختارَهُ اللهُ له.
وعمدَةُ الطريقِ للوصولِ إلى هذهِ الحالةِ هو أنْ يُصلحَ الإنسانُ باطنَهُ ويجعلَ التقوى أساساً في سلوكِه وتصرُّفاتِه، فقدْ رُوِيَ عَنِ الفَرَزدَقِ الشّاعِرِ أَنَّهُ قالَ: لَقيتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) خارِجاً مِنْ مَكَّةَ ... ثُمَّ قالَ لي: «أخبِرني عَنِ النّاسِ خَلفَكَ»، فَقُلتُ: الخَبيرَ سَأَلتَ؛ قُلوبُ النّاسِ مَعَكَ وأسيافُهُم عَلَيكَ، وَالقَضاءُ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ، وَاللّهُ يَفعَلُ ما يَشاءُ.
فَقالَ: «صَدَقتَ، للّهِ الأَمرُ، وكُلَّ يَومٍ رَبُّنا هُوَ في شَأنٍ، إنْ نَزَلَ القَضاءُ بِما نُحِبُّ، فَنَحمَدُ اللّهَ عَلى نَعمائِهِ، وهُوَ المُستَعانُ عَلى أداءِ الشُّكرِ، وإن حالَ القَضاءُ دونَ الرَّجاءِ، فَلَم يُبعِد مَن كانَ الحَقُّ نِيَّتَهُ وَالتَّقوى سَريرَتَهُ»[2].
ولذا، يبيِّنُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سِرُّه) فكرةَ التسليمِ بقولِه: «التسليمُ هو الانقيادُ الباطنيُّ والاعتقادُ القلبيُّ في مقابلِ الحقّ، وهو ثمرةُ سلامةِ النّفسِ مِنَ العيوب، وخلوِّها مِنَ المَلَكَاتِ الخبيثة».
ولمَّا عزمَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) على الخروجِ مِنَ المدينة، توجَّهَ إلى قبرِ جدِّهِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم)، وجلسَ أمامَه يبكي، وهو يقول: «اللهُمَّ! إنَّ هذا قبرُ نبيِّكَ، وأنا ابنُ بنتِ نبيِّك، وقدْ حضَرَني مِنَ الأمرِ ما قدْ علِمْت، اللهمَّ! إنِّي أحبُّ المعروفَ وأُنكِرُ المنكر، أسألُكَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ بحقِّ هذا القبرِ ومَن فيهِ إلّا ما اخترتَ ليَ ما هو لكَ رضى ولرسولِك رضى»[3].
ومِنْ مشاهدِ تسليمِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) للهِ عزَّ وجلّ، قولُه لَمَّا عَزَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى الْمَسِيرِ إلى الْعِرَاق: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَما شاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَمَا أَوْلَهَنِي إلى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلى يُوسُفَ، وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلَاءَ، فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً، لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ»[4].
نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولاداتِ الشعبانيَّة، متوسِّلينَ للهِ عزَّ وجلَّ بالحسينِ وأخيهِ وابنَيهِ أنْ يكتبَ لنا ما فيهِ لهُ رضى.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد المرعشيّ، شرح إحقاق الحق، ج11، ص237.
[2] الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص67.
[3] راجع: الحسينيّ الموسويّ، تسلية المجالس وزينة المجالس (مقتل الحسين (عليه السلام))، ج2، ص155.
[4] الحلوانيّ، حسين بن محمّد بن حسن بن نصر، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص86.