موجباتُ العفو
شعبان
عَنِ الإمامِ الصادقِ جعفرِ بنِ محمّد، عنْ أبيه، عنْ آبائِه (عليهمُ السلام) أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) قال: «إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى إذا رَأى أهلَ قَريَةٍ قَد أسرَفوا فِي المَعاصي وفيها ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنَ المُؤمِنينَ،
عدد الزوار: 336عَنِ الإمامِ الصادقِ جعفرِ بنِ محمّد، عنْ أبيه، عنْ آبائِه (عليهمُ السلام) أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) قال: «إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى إذا رَأى أهلَ قَريَةٍ قَد أسرَفوا فِي المَعاصي وفيها ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنَ المُؤمِنينَ، ناداهُم جَلَّ جَلالُهُ، وتَقَدَّسَت أسماؤُهُ: يا أهلَ مَعصِيَتي، لَولا مَنْ فيكُم مِنَ المُؤمِنينَ المُتَحابّينَ بِجَلالي، العامِرينَ بِصَلاتِهِم أرضي ومَساجِدي، وَالمُستَغفِرينَ بِالأَسحارِ خَوفاً مِنّي، لَأَنزَلتُ بِكُم عَذابي، ثُمَّ لا أبالي»[1].
لقدْ وسِعَتْ رحمةُ اللهِ كلَّ شيء، ولكنْ لهذِه الرحمةِ أسبابُها التي تُحفَظُ بها، وتُستدامُ الرحمةُ العامّةُ على الناسِ بفضلِ بعضٍ منهُم وَفى بعهدِهِ للهِ عزَّ وجلّ، فيؤخِّرُ اللهُ عزَّ وجلَّ العذابَ عنْ فئةٍ كثيرةٍ مِنَ الناسِ بالقِلَّةِ الصالحة. وتُبيِّنُ لنا الروايةُ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) ثلاثاً مِنْ موجباتِ العفوِ الإلهيّ:
1ـ المحبّةُ بين المؤمنين: لقدْ أكّدَتِ الرواياتُ ضرورةَ أنْ تقومَ المحبَّةُ بينَ المؤمنين، ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ما التقى مؤمنانِ قطُّ، إلَّا كانَ أفضلُهُما أشدَّهُما حبّاً لأخيه»[2].
فهؤلاءِ الذينَ يتحابُّون في اللهِ عزَّ وجلَّ هُمُ الصَفْوةُ التي يحبُّها اللهُ عزَّ وجلَّ، وبها يدفعُ العذاب، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «وُدُّ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الْإِيمَانِ. أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطى فِي اللَّهِ، وَمَنَعَ فِي اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ أَصْفِيَاءِ اللَّهِ»[3].
2ـ عُمرانُ المساجد: وذلكَ بالاستفادةِ منها فيما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به، ففي روايةٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) يبيِّنُ فيها ثمارَ التردُّدِ إلى المساجد، يقول: «مَنِ اختَلَفَ إلى المَسجِدِ، أصابَ إحدَى الثَّماني: أخاً مُستَفاداً في اللَّهِ، أو عِلماً مُستَطرَفاً، أو آيَةً مُحكَمَةً، أو رَحمَةً مُنتَظَرَةً، أو كَلِمَةً تَرُدُّهُ عنْ رَدًى، أو يَسمَعُ كَلِمَةً تَدُلُّهُ على هُدًى، أو يَترُكُ ذَنباً خَشيَةً أو حَياءً»[4].
3ـ الاستغفار: وهوَ الأمانُ الموجودُ في هذه الأرضِ مِنَ العذاب، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «عجبتُ لمَنْ يقنُطُ ومَعَهُ الاستغفار»[5].
ولأنَّ الذنوبَ حُجُبٌ تمنَعُ مِنْ نزولِ الرحمة، فالاستغفارُ هوَ الذي يُزيلُ هذه الحُجُبَ لتتنزَّلَ الرحمة، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «كلُّ ما يحتاجُ إليه الفردُ البشريُّ والمجتمعُ الإنسانيُّ مِن ألطافٍ إلهيَّة، وتفضُّلاتٍ ورحمةٍ ونورانيّة، وهدايةٍ إلهيّة، وتوفيقٍ مِنَ اللَّه، وعَونٍ على الأمور، وللنجاحِ في الساحاتِ المختلفة؛ تُغلَقُ أبوابُها بسببِ الذنوبِ التي نرتكِبُها. فالذنوبُ تصبحُ حجاباً بيننا وبينَ الرحمةِ والتفضُّلِ الإلهيَّين، والاستغفارُ يُزيلُ ذلكَ الحجاب، ويَفتحُ أمامَنا سبيلَ الرحمةِ والتفضُّلِ الإلهيَّين، تلكَ هيَ فائدةُ الاستغفار».
وفي مستهلِّ شهرِ رمضانَ المبارك، يوصي الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) بالاستغفار، فيقول: «الاستغفارُ يُنجينا مِنَ القيودِ والسلاسلِ والغِلّ. الاستغفارُ يُجْلي صدأَ قلوبِكُمُ النورانيَّةِ الّتي وهبَها اللهُ تعالى لكم، ويُطهِّرُها. القلبُ يعني النفْس، يعني الروح، يعني الهُويَّةَ الواقعيَّةَ للإنسان؛ إنَّهُ شيءٌ نورانيٌّ جدّاً. كلُّ إنسانٍ نورانيّ، حتّى الإنسانُ الّذي لا يعرفُ اللهَ، ولا يرتبطُ بِه، فإنَّهُ يحملُ نورانيَّةً في جوهرِه وذاتِه، لكنَّ الصدأَ يُغطّي قلبَه؛ لافتقارِهِ إلى المعرفة، ولارتكابِهِ الذنوب، وركوبِهِ الشهوات، والاستغفارُ يُجْلي ذلكَ الصدأَ وينوِّرُه».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص199.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص127.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص125.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص390.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص482، الحكمة 84.