يتم التحميل...

هل توجب حقيقة الإنسان التوجه إلى الخالق؟

كمال العبادات

نجد في بعض الآيات الكريمة بعض خصائص الإنسان التي تبرز حقيقته وهو أنه مخلوقٌ ضعيفٌ، محتاجٌ وفقير فنقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾

عدد الزوار: 24

نجد في بعض الآيات الكريمة بعض خصائص الإنسان التي تبرز حقيقته وهو أنه مخلوقٌ ضعيفٌ، محتاجٌ وفقير فنقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[1]. ومن المؤكّد أن الفقر المقصود هنا في الآية ليس الفقر المادي، بل المراد منه شيءٌ آخر يمسّ جوهر الإنسانية وحقيقتها. فهذه الآيات الآنفة الذكر تشير إلى أن الضعف والاحتياج هما حقيقة الإنسان: ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾[2].
 
فلو فكّر الإنسان ساعةً واحدة في نفسه وفي موجودات هذا العالم كلّه فسوف يكتشف أن أي موجودٍ ليس لديه شيءٌ من نفسه، وأن كل ما حصل عليه الإنسان ووصله هو ألطافٌ ومواهب مستعارة وهي ليست منه، سواء قبل أن يأتي إلى هذه الحياة أم خلال حياته فيها، أم حتى بعد الممات. وإذا تأمّل الإنسان في كيفية خلقه منذ أن كان طفلاً إلى أن تحين لحظة وفاته وفكّر قليلاً في كل مرحلة وما أُعطي فيها من نِعمٍ وقوىً متنوعة من الفكر والعقل والخيال والقلب والأعضاء والجوارح المختلفة وغيرها من النعم والألطاف، لدهش وتحيّر لأنه في لحظةٍ من اللحظات لم يكن شيئاً مذكوراً ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾[3] ثم أفيضت عليه الحياة والروح ووُهِب من ألوان النعم التي تبهر العقول وسخّر له كل هذا الوجود. فالإنسان إذاً في الأصل لا يملك شيئاً، فمن غيره تعالى يكون المالك الحقيقي والرازق والمعطي!؟
 
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾[4].
 
فالأمور كلها بيد الله وليس للإنسان من حولٍ وقوة إلا به، وهذا عين الضعف والعجز: ﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾[5].
 
إذن كل هذه الحقائق الآنفة الذكر، من الخلق والملك والقهر والأمر المنحصرة بالله تعالى، والربوبية الإلهية من جهة، والفقر والاحتياج والعجز الإنساني من جهة أخرى، تلتقي لترسم لنا صورة العلاقة بين الإنسان وخالقه، وتوضح كيفية الرابطة بينهما، لتؤكّد دواعي عبودية الإنسان لله وحده، وخضوعه لمشيئته وإرادته خضوعاً يختاره الإنسان عن وعي وتدبّر. فنستنتج: بما أنّ الله هو الخالق وهو المالك الآمر، والقاهر المسيطر، وهو الرب المتفضّل بالنّعم والرعاية... إذن يجب أن يُعبد وحده وأن تُخلص له العبودية دون غيره.
 
وها هو القرآن الكريم يصف لنا سجود الكون، والعوالم، وخضوعها بقوله: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾[6]، وقوله ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[7].
 
فيرسم القرآن الكريم لنا صورة الخلق وهو ساجد، ويلفت أنظارنا إليه وهو عابد، ويزجر الغافلين منا، ويطالبنا بأن نفكّر فيما حولنا من عوالم وأكوان... لنرى كل شيء خاضعاً داخراً - أي مرغماً - ومتصاغراً، مستسلماً لعظمة الله وإرادته، فالأرض والسماء والحيوان والنبات وكل مخلوق تشرق عليه أنوار الوجود، لا يملك التمرّد، ولا التكبّر، ولا يستطيع الرفض لإرادة الله، ولا الخروج على حكمته وتدبيره. وهذا هو المقصود بالعبودية التكوينية. فهل يخرج الإنسان وحده من بين المخلوقات عن هذه العبودية؟ أم الأولى به وقد شرّفه الله بخاصّية الاختيار الحرّ وميّزه بها عن سائر المخلوقات أن ينسجم مع العبودية التكوينية ويختار عبادة الله عز وجلّ عن إيمانٍ ووعيٍ وتصميم؟
 
روح العبادة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة فاطر، الآية 15.
[2] سورة النساء،، الآية 28.
[3] سورة الإنسان، الآية 1.
[4] سورة يونس، الآية 31.
[5] سورة آل عمران، الآية 154.
[6] سورة النحل، الآيتان 48-49.
[7] سورة آل عمران، الآية 83.

2023-01-28