رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، رحمةٌ مُهداة
ربيع الأول
ورد عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في الصحيفةِ السجّاديّة، حامداً اللهَ تعالى: «الحَمدُ لِلّهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا بِمُحَمَّدٍ نَبيِّه، دونَ الأُمَمِ الماضيَة، وَالقُرونِ السّالِفَة»
عدد الزوار: 197
ورد عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في الصحيفةِ السجّاديّة، حامداً اللهَ تعالى: «الحَمدُ لِلّهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا بِمُحَمَّدٍ نَبيِّه، دونَ الأُمَمِ الماضيَة، وَالقُرونِ السّالِفَة»[1].
تتجلّى عظمةُ الرحمةِ الإلهيةِ بالرحمةِ المحمّديّة، فهي رحمةٌ عامّةٌ للخَلقِ كافّة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[2]، وهي رحمةٌ خاصّةٌ بالمؤمنينَ أيضاً، قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾[3].
وبعضُ مظاهرِ هذهِ الرحمةِ في حياةِ الإنسانِ تتمثّلُ بالآتي:
1. رحمةُ الوجودِ الإنسانيّ: يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظهُ الله): «ولادةُ النبيِّ المكرَّمِ كانت بدايةَ فجرٍ زاهرٍ في حياةِ البشرية. بهذه الولادةِ ظَهرت البشائرُ الإلهيةُ في ذلكَ العصرِ أمامَ أنظارِ الناس، حيث تساقطت قِممُ قصورِ الملوكِ الظَلَمة، وانطفأت النيرانُ في معابدِ النّار، وزالت المقدَّساتُ الخرافيّةُ التافهةُ بالقدرةِ الإلهيةِ في مناطقَ مختلفةٍ من العالَم. كانت هذه الولادةُ مقدّمةً للبعثة... انتفع العالَمُ كلُّهُ مِن بركاتِ هذا الوجودِ المقدَّس، وسيبقى ينتفع. إنّ رُقيَّ البشر، والتقدّمَ العلميّ، والمعارفَ المتنوّعة، والاكتشافاتِ العظيمةَ في العالم؛ هي ببركةِ ظهورِ نورِ الإسلامِ في تلكَ البرهةِ العجيبةِ من التاريخ. وهذه نعمةٌ وُضعت تحت تصرُّفِ البشريّة. ولو كان للبشريّةِ وعيٌ أكبرُ وأكثر، ومعرفةٌ أعمق، ولو عَرَفَت الرسولَ الأكرمَ والإسلام، وأدركتْ رسالتَه؛ لكانت صفحةُ التاريخِ البشريِّ اليومَ صفحةً أخرى».
2. رحمةُ الهدايةِ السماوية: وهذه الهدايةُ تتمثّلُ بالدِّينِ مِن ناحية، وبالنظامِ الأخلاقيِّ والقِيَمِيِّ الذي جاء به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي ينبغي أن يستفيدَ منهُ الناسُ جميعاً مهما كانت ديانتُهم، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه الله): «لقد مَهّدَ النبيُّ الأكرمُ سبيلَ الخلاصِ أمامَ البشرية، كما فَتحَ أمامَها بابَ الصلاح، وأَخذَ بِيَدِها على طريقِ الرُّشدِ والرجاء، وهو الطريقُ الذي بوسعِهِ إنقاذُ البشريةِ ممّا تواجهُهُ مِنْ مشاكل، وعلاجُها مِن كلِّ ما تعانيهِ مِن آلام».
إنّ البشريةَ تعاني مِن آلامٍ كثيرةٍ منذُ قديمِ الزمان، وهي تحتاجُ إلى العدلِ والهدايةِ والأخلاقِ الإنسانيةِ الرفيعة، كما تحتاجُ إلى العَونِ والرشاد، ويحتاجُ العقلُ البشريُّ إلى سندِ المبعوثينَ الإلهيّينَ ومساعدتِهِم. لقد فَتحَ النبيُّ الأعظمُ هذا الطريقَ أمامَ البشريةِ بكلِّ ما فيهِ مِن رحابةِ الهدايةِ الإلهية.
3. رحمةُ الشفاعةِ في الآخرة: قال تعالى: ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُوداً﴾[4]، والمقامُ المحمودُ هو المقامُ الممتازُ والخاصُّ الذي اختُصَّ به رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا المقامُ هو مقامُ الشفاعةِ الكبرى للرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، في تفسيرِ قولِهِ تعالى: ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُوداً﴾، قال: «هي الشفاعة»[5].
ختاماً، نبارِكُ لصاحبِ العصرِ والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى ولادةِ رسولِ الرحمةِ محمّدٍ (صلواتُ الله عليه وعلى آله)، ونسألُ اللهَ أن يرزقَنا شفاعتَه.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص34.
[2] سورة الأنبياء، الآية 107.
[3] سورة التوبة، الآية 61.
[4] سورة الإسراء، الآية 79.
[5] الشيخ العياشيّ، تفسير العياشيّ، ج2، ص314.