اليسيرُ خيرٌ كثيرٌ
ربيع الأول
قال الإمامُ الرضا (عليه السلام): «مَن رضيَ باليسيرِ مِنَ الحلال، خَفّتْ مؤونتُهُ وَنَعُمَ أهلُه، وبَصَّرَهُ اللهُ داءَ الدنيا ودواءَها، وأخرجَهُ منها سالماً إلى دارِ السلام»
عدد الزوار: 208
قال الإمامُ الرضا (عليه السلام): «مَن رضيَ باليسيرِ مِنَ الحلال، خَفّتْ مؤونتُهُ وَنَعُمَ أهلُه، وبَصَّرَهُ اللهُ داءَ الدنيا ودواءَها، وأخرجَهُ منها سالماً إلى دارِ السلام»[1].
لَمّا كانتِ المسؤوليةُ على قدرِ العطاء، فإنَّ على الإنسانِ الذي يطلبُ المزيدَ أن يُدرِكَ تماماً أنه يطلبُ العناء، ولذا وردَ في الرواياتِ الحثُّ على الاكتفاءِ باليسير. وفضلاً عن ذلك، تشيرُ الروايةُ عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلامُ) إلى حالةٍ أرقى منَ الاكتفاء، وهي أنْ يعيشَ الإنسانُ حالةَ الرضا باليسير؛ بمعنى أنْ لا يعيشَ سَخَطاً داخلياً لقلّةِ الرزق. وثمرةُ ذلك فوائدُ عدّة، ذَكَرَها الإمام، فمنها حالةُ السعادةِ التي يعيشُها معَ أهله، وعدمُ التعلُّقِ بالدنيا، والخروجُ بالنجاةِ إلى الآخرة.
وفي هذا المضمونِ روايةٌ أخرى عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام)، يتحدّثُ فيها عن السعادةِ التي ينالُها العبد. فعنهُ (عليه السلام): «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَغْبَطَ عِبَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ رُزِقَ حَظّاً مِنْ صَلَاحِهِ، قَتَّرْتُ فِي رِزْقِهِ فَصَبَرَ، حَتَّى إِذَا حَضَرَتْ وَفَاتُهُ قَلَّ تُرَاثُهُ، وَقَلَّ بَوَاكِيهِ»[2]. وكان دعاءُ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآلهِ) لأهلِ بيتِه: «اللهمَّ ارزُقْ محمّداً وآلَ محمّدٍ ومَن أَحَبَّهُمُ العفافَ والكفاف»[3].
والذي يدفعُ الإنسانَ إلى القناعةِ باليسير، أنْ يقتديَ برسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فقد رُويَ عنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «إِيَّاكَ أَنْ تُطْمِحَ بَصَرَكَ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، فَكَفى بِمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله): ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ﴾[4]، وَقَالَ: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْي﴾[5]، فَإِنْ دَخَلَكَ مِنْ ذلِكَ شيءٌ، فَاذْكُرْ عَيْشَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)؛ فَإِنَّمَا كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ، وَحَلْوَاهُ التَّمْرَ، وَوَقُودُهُ السَّعَفَ إِذَا وَجَدَهُ»[6].
كما يعلّمُنا أميرُ المؤمنينَ (صلواتُ اللهِ عليهِ) في روايةٍ أنّ الإنسانَ يحتاجُ منَ الدنيا إلى ما يكفيهِ حاجتَه، واليسيرُ يكفيه، ولو أرادَ الزيادةَ فلن يقِفَ عندَ حَدٍّ، بل يأخُذُهُ الطمعُ إلى المزيدِ دَوماً، ففي الروايةِ عنهُ (عليه السلام): «ابنَ آدم! إنْ كنتَ تريدُ مِنَ الدنيا ما يكفيك، فإنّ أَيْسَرَ ما فيها يكفيك، وإنْ كنتَ إنّما تريدُ ما لا يكفيك، فإنّ كُلَّ ما فيها لا يكفيك»[7].
وَلْيَنظُرِ الإنسانُ وَلْيَتَفَكَّرْ في أنَّ القليلَ مِنَ الرزقِ يترتّبُ عليه ثمرةٌ هي القُربُ منَ اللهِ أكثر، وهو أهمُّ مِنَ الكثيرِ مِنَ الرزقِ مَعَ البُعدِ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: يَحْزَنُ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ إِنْ قَتَّرْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي، وَيَفْرَحُ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ إِنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص347.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج69، ص66.
[3] المصدر نفسه.
[4] سورة التوبة، الآية 55.
[5] سورة طه، الآية 131.
[6] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص172.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص138.
[8] المصدر نفسه، ص141.