المرأة في العرفان
المرأة في القرآن والسنة
للخلافة وجهان، الوجه الصادق لها مر في البحوث السابقة انه ليس قابلاً للنصب ولا قابلاً للغضب، لا الناس يستطيعون ان ينصبوا شخصاً بعنوان خليفة، ولا يستطيع متجبر، ان يغصب هذا المقام باستخدام القوة...
عدد الزوار: 95
وجوه الخلافة
للخلافة وجهان، الوجه الصادق لها مر في البحوث السابقة انه ليس قابلاً للنصب ولا قابلاً للغضب، لا الناس يستطيعون ان ينصبوا شخصاً بعنوان خليفة، ولا يستطيع متجبر، ان يغصب هذا المقام باستخدام القوة.
والذي شكا من غصبه أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية كان مقاماً تنفيذياً ومسؤولية وخلافة ظاهرية، ولم يكن مقصود الإمام غصب تلك الخلافة التي هي محتوى﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾1 حيث ان هذه الخلافة ليست قابلة للغصب أساساً، كما انها ليست قابلة للنصب. بل أن هذا المقام والخلافة يجب أن يعطيها الله.
أما الوجه الآخر للخلافة، فهي الخلافة الظاهرية (أي الحكومة والعمل التنفيذي). هذا العمل من بين الأعمال التنفيذية هو في صدر الأعمال، بأن يصبح شخص خليفة المسلمين، ولأنه ليس هناك مقام أعلى من هذا من حيث التنفيذ فإذا تولى أمثال مالك الأشتر منصباً فهو بعنوان نيابة فالخلافة هي أرقى مقام من حيث المناصب التنفيذية. وقد بين أمير المؤمنين عليه السلام جيداً موقعها وقيمتها وقال: "إن نفس هذا المقام بمعزل عن مسألة إحقاق الحق وإبطال الباطل يعد من الدنيا، والدنيا ليست إلا عراق خنزير في يد مجذوم" 2 كما قال بشأن هذا المقام "كعفطة عنز" 3. فيلزم أولاً توضيح أن الأعمال التنفيذية لا تأتي بالجنة، حتى يقال لماذا ليس للمرأة سهم في هذا القسم وللرجل سهم أكثر. ان قولهم " لو كان العلم منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس" 4 هو علم الفراسة، البعض احتمل انه إشارة إلى أهل الفراسة وليس فارس التي تقع في جنوب إيران، ان الذين هم أهل الفراسة "اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله عز وجل "5 هم الذين يصلون إلى الثريا. في علم الفراسة وعلم الوراثة ليست هناك أية ميزة لصنف على آخر. وإذا كان هناك امتياز في حيث علم الدراسة فان بعض الأقسام تفهمها النساء أفضل وتعمل أفضل. وقسم آخر، يفهمه الرجال أفضل ويعملون أفضل، وهذا الفرق هو من أجل إيجاد نظام أحسن.
دور الدعاء في الوصول الى التكامل
ان الكمالات الإنسانية تحصل في ظل عبادة واطاعة الله، والإطاعة والعبادة مشتركة بين المرأة والرجل فقطع طريق التكامل يكون مشتركاً.
كمثال، الدعاء والمناجاة هي من أفضل طريق التكامل الإنساني، لأن كمال الإنسان هو في أن يتقرب إلى الله وهو العلم المحض والوجود الصرف والقدرة الصرفة، ويتخلق بأخلاق الكامل المحض، وطريق التخلق بالأخلاق الإلهية والتقرب إلى ذلك الكمال، هو بعهدة العبادات والأدعية.
في هذه الأدعية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل، وقد جوزوا وعلموا أهم المناجاة والأدعية للنساء والرجال بالتساوي لم يقل للرجال: إقرأوا دعاء كميل أو المناجاة الشعبانية ولا يحق للنساء مثل هذه الأدعية.
إذا كانت أمرأة انجح من رجل في قراءة المناجاة الشعبانية او الجوشن الكبير يكون تجاهها في التكامل أكثر من الرجل أيضاً، إن نصيب النساء من مسألة المناجاة والموعظة إذا لم يكن أكثر من الرجال فليس أقل، لأنها كائن عاطفي أرق قلباً، ورقة القلب والعاطفة والشعور لها دور مؤثر في طريق الله. بناء على هذا فالنساء تستطيع ان تكون أنجح من الرجال في هذا الطريق.
التقوى معيار الكمال وحصن المؤمن
في القرآن الكريم هناك أساس هو معيار الكمال، وتوزن سائر الكمالات في ضوء ذلك الاساس وهو ، التقرب إلى الله ، الذي ذكر بعنوان التقوى.
الإنسان المتقي لديه وقاية، الإنسان المتقي مسلح بدرع ، التقوى التي تعطي الإنسان رؤية عرفانية، الإنسان المتقي لا يذنب، والرؤية الكونية للإنسان المتقي تحفظ هذا الدرع كاملاً في المحل المناسب في اتجاهه الخاص، فإذا رآى خيراً في العالم يوجه الدرع فوراً لنفسه لكي لا يسند الخير إليه بل يرتبط بالله مباشرة، حتى يتضح أن هذا العمل، هو عمل الله، وإذا ظهر شر وآفة وضرر في العالم هذا يوجه الدرع مباشرة نحو الله لئلا يسند هذا الشر والسوء والقبح والضرر والآفة إلى الله.
فرق الخير والشر في الانتساب إلى الله
سورة النساء تبين أمر المتقين
﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن صِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا*، مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾ 6.
أي: رغم ان الخيرات والشرور كلها من عند الله، وجذورها التكوينية من الله، ولكن فرق الخير والشر هو أن الخير (من عند الله) وكذلك (من الله)، أما المصيبة والشر فهي (من عند الله) ولكن ليست (من الله).
إذا كان الشخص متقياً يعطيه بيده وقاية ودرع نظرة كونية جيدة مثل بستاني ماهر يسعى ويجهد من أجل تنمية الورود وفي يده حاجز حديدي كلما وجد ماء عذباً ومناسباً لا يسمح للأوساخ ان تذهب ويسد الطريق حتى يسقي الورد هذا الماء العذب والشفاف والزلال، وكلما جاء ماء مالح ومر ومضر يضع الحاجز الحديدي باتجاه الورود ولا يسمح بأن يصل الماء المالح أو الماء الملوث والطيني إلى بستانه، المتقون لهم في رعاية مزارعهم نفس هذا العمل الذي للبستاني الماهر في رعاية الورود، أي أن البستاني المتقي في يده قفل الماء، وعندما يصله ماء حلال هو سهمه يحفظه من التوسخ والتلوث، ولا يسمح أن يصرف الماء الحلال والمباح بلا فائدة ويضع الحاجز حتى لا يذهب إلى محل آخر ويصب في مزرعته ومرتعه فقط، وإذا وصله ماء هو سهم الآخرين وليس مباحاً وحلالاً له، يضع قفل الماء هذا حاجزاً ولا يسمح بان يجري في بستانه، ويسعى ان يذهب هذا الماء الذي هو سهم الآخرين إلى مزارعهم.
الإنسان، سواء في تغذية الورود في المسائل الطبيعية أو في تغذية مزرعته، في مسائل الحلال والحرام في يده قفل ماء وهذا القفل هو الوقاية الذي هو درعه، والإنسان صاحب الرؤية الكونية مسلح بهذا الدرع التوحيدي، وعندما يرى خيراً. فضيلة، بركة، رحمة، نعمة، ونجاحاً يجعل هذا الدرع فوراً حائل، لئلا تعتبر هذه الخيرات والبركات ناجمة من نفسه ولئلا يصبح مغروراً ويقول إنني أصبحت مصدر حدوث هذه الخيرات والبركات، أو أنني الذي صمت في شهر رمضان وقمت بالعبادات في النهار والأدعية في الليل وأمثال ذلك، لأنه (ما أصابك من حسنة فمن الله).
وإذا تعرض إلى ضرر، آفة، معصية، فشل، حرمان وأمثال ذلك يوجه هذا الدرع فوراً نحو الله لئلا تسند هذه المصيبة والآفة إلى الله، بل ينسبها إلى نفسه ويقول: أنا الذي لم أكن أهلاً للنجاح. وهذه تسمى التقوى، التقوى ليست في أن لا يذنب الإنسان، لا يكذب، هذه أعمال ابتدائية ويقال للمسلم في الصف الأول والثاني: لا تنظر إلى غير المحرم، لا تكذب لا تغتب، والتي هي من المسائل الابتدائية والأولية في الدين، ويجب أن لا يقال للشخص الذي ارتفع سنه وتعرف على هذه المسائل الإسلامية عدة سنوات، لا تكذب، لا تغتب لا تنظر إلى غير المحرم وأمثال ذلك.
إن هذه صغيرة للشخص الذي هو من أهل الطريق، يجب أن يصل إلى حد يصبح فيه من أهل التقوى أي أن يمتلك وقاية ودرعاً في اليد، وتكون رؤيته الكونية رؤية كونية واعية، وهذا المعنى تعلمه للناس الأدعية وخاصة أدعية شهر رمضان المبارك وفي هذا التدرع الذي هو رؤية كونية عرفانية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، بل إن المناجاة والدموع والأنين التي هي رأسمال وسلاح هذا الطريق لدى النساء أقوى من الرجال.
سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر
ان الشخص إذا أراد ان يحارب عدواً خارجياً يجب أن يستفيد من الحديد، من الدباب ، ولكن إذا أراد ان يحارب العدو الداخلي يجب ان يستفيد من (الآه) وليس من الحديد. يجب الاستفادة من (الآه) في مكافحة الهوى، لأن الحديد لا يستطيع ان يعمل في ذلك المكان. الإنسان الذي يجلس على دبابة أو مقاتلة أخرى حديدية الهيكل لا يستطيع ان يحارب الهوى، بل إن الشخص الذي يعيش إلى جانب الدعاء والمناجاة، هو مسلح حيث ورد في دعاء كميل: " وسلاحة البكاء " 7.
أي ان أسلحة الإنسان في محاربة العدو الداخلي، في جبهة الجهاد الأكبر هي الآه وليس الحديد، البكاء وليس السيف، والسلاح الحاد والمفيد في الجهاد الأكبر هو تهذيب النفس والأنين، وهذه الأسلحة لدى النساء أكثر من الرجال.
في طريق تهذيب النفس سلح الله سبحانه النساء أكثر من الرجال، لأن البكاء له مبادىء، الأنين و البكاء ليس في كل شخص، كثير يجلسون في مجالس عزاء سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام، ولكن ليس لديهم ذلك الفن والإدراك في أن يبكوا، وعلى فرض ان لديهم إدراكاً، فان رقة القلب ليست فيهم، حيث أن تحصيل رقة القلب، ليس عمل كل شخص وليست الفضيلة التي يحظى بها كل شخص، على هذا فرأسمال الجهاد الأكبر هو البكاء. (وسلاحه البكاء) وهذا السلاح المفيد أعطاه الله تعالى للجميع، ولكن النساء اكثر تسلحاً من الرجال، الشخص الذي ينكسر قلبه بسرعة ويبكي، لماذا لا يئن في طريق تهذيب النفس.
في دعاء ابي حمزة الثمالي الذي هو من أكثر أدعية شهر رمضان المبارك تفضيلاً، يدعو الإمام السجاد عليه السلام الله تعالى" وأعني بالبكاء على نفسي"8.
أعني أن أفهم أفضل وأئن أفضل، أعني أذا انتهت دموعي بأن تخرج الدموع مرة ثانية، لأن الأنين هو السلاح الوحيد في الجهاد الأكبر، وهذا الأنين لدى النساء أفضل من الرجال، في أية آية قرآنية وفي أية رواية جاء أن الرئاسة أو قيادة القوات المسلحة وأمثال ذلك يؤدي إلى الدخول إلى الجنة، هذه هي أعمال تنفيذية هي وظيفة، هي أمانة وليست طعمة، فإذا لم تكن المرأة متواجدة في الأقسام المختلفة للأعمال التنفيذية أو مسائل الجبهة والجهاد والأقسام العسكرية، لم يدل ذل على أن يكون سهماً أقل من الرجل في التقرب إلى الله.
بناء على هذا يجب أن تكون النساء عارفات بالحق، لأن الله أعطى هذا السلاح لهن أكثر من الرجال، كل ما في الأمر أنه يجب عليهن صرف هذا في محله.
البكاء في محلة
أحياناً يحمل شخص سيفاً في يده ولكنه يضرب به صخرة، في حين أن هذا السيف الحاد يجب أن يضرب به العدو، أحياناً أيضاً يبكي شخص، ولكنه يبكي من أجل الدنيا، قلبه رقيق ومن أهل الأنين والبكاء، ولكنه يئن في غير محله، التعاليم الدينية من أجل أن يستعمل الإنسان هذا السلاح في محله.
يقول للرجال: هيئوا أسلحة واستعملوا الأسلحة في محلها، ويقول للنساء: إن الله اعطاكن أسلحة، غاية ما في الأمر استعملنها في محلها. يجب أن يتحمل الرجال مشقتين والمرأة مشقة واحدة، مثل بلد غير مسلح في الحرب ويقال له اكتفي وهيّىء أسلحة، ثم استعلمها في محلها، ولكن لا يقال للبلدان التي وصلت حد الاكتفاء الذاتي في انتاج السلاح أن تتسلح، بل يقال لديك سلاح ولكن استعمليه في محله.
من هنا يقول الإمام السجاد عليه السلام: "فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي " 9.
فيتضح ان الإنسان ما لم يبك لا ينجو، وهذا البكاء هو سلاح الإنسان أيضاً، وهذا السلاح اعطاه الله للجميع، ولكن اعطاه النساء أكثر من الرجال، وقال لهن ان يستعملن هذا السلاح في محله.
فنحن عندما نلاحظ ان الإمام السجاد عليه السلام يسأل من الله توفيق البكاء ويدعو الله أن يعينه بالبكاء على نفسه، فسر ذلك هو أننا نواجه عدواً أقوى، عدواً في نفس الدار، وهو الهوى، ومن أجل أن يتضح هل ننتصر في هذه الحرب أم نخسر، يجب أن يكون كل كلام يقوله الناطق باسمنا معياراً لنا، الفم هو ناطق باسمنا، إذا قال شخص انني اعمل ما أريد، وأقول كل ما أريد، يتضح أنه فشل وأسر، كيف يكون الإنسان عبد الله، ثم يقول: انني اعمل ما أريد، وأقول ما أريد، هذا الذي يتكلم هو الشيطان وهو ناطق باسم الشيطان.
ولكن الإنسان إذا وصل إلى درجة بحيث يقول: كل ما أراده الله، أقوله، واطيع كل ما أراد الله. يجب أن يكون شاكر، لأنه ناطق باسم الملائكة والأنين لازم من أجل الانتصار في جبهة الجهاد الأكبر، القوة لا تفيد شخصاً، فهي خارج حدود القلب والحرب، هي في داخل القلب، والقبضة القوية والأموال والمقام ليست لها علاقة بميدان القلب والنفس، في مكان تقع حرب، وهو لديه مقام في مكان آخر، هذا ليس قابلاً للطرح أساساً، الحرب في القلب يلزمها سلاح واحد وهو انكسار القلب في محضر الله، وفي هذا السلاح، النساء أنجح من الرجال، يجب أن تجرب النساء عدة أيام ويقطعن هذا الطريق حتى ترى ان بأمكانهن ان يكن أسوة للمجتمع.
ان منطق القرآن هو ان المرأة الجيدة هي نموذج للناس الجيدين وليس فقط نموذجاً للنساء.
التقرب إلى الله أساس سائر الكمالات
كل كمال يذكره الله تعالى في القرآن، يعتبره فرع تقرب إلى الله. حتى العلم، حتى الفقه والأصول، التفسير، الفلسفة والعرفان التي هي من أفضل العلوم الإسلامية، يعتبرها فرع تقرب إلى الله.
هل العلم نفسه هو كمال وهل القرآن الكريم الذي يعتبر العالم أفضل من الجاهل ويقول:﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون﴾َ 10.
يبين أصلاً من أصول دستور الدين أم هو ملحق لأصل لآخر؟ في الجواب يجب القول: إن هذا ليس أصلاً، بل هو ملحق، الفرق بين الأصل والملحق هو أن الأصل مستقل والملحق يكتب في آخر الأصل.
في إحدى آيات سورة الزمر هناك أصل وملحق الأصل هو الأنين والضجة والتقوى والبكاء والعبودية في محضر الله تعالى، وذيل هذا الأصل، هي مسألة العلم.
﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَاب﴾ِ11 .
والقرآن يطرح أولاً أصلاً ويقول: هل إن الذين يعبدون في الليل يستوون مع الآخرين؟ هل أن الذين هم من أهل الركوع والقنوت والخشوع والتواضع والعبودية في ساحة الله تعالى. يستوون مع الآخرين؟ الذين يرجون رحمة الله ويقلقون على مستقبلهم هل يستوون مع الآخرين؟ ثم يقول في آخر هذا الأصل بعنوان ملحق: هل يستوي العالم وغير العالم؟
يتضح أن المقصود هو العلم الذي يكون ملحق ذلك الأصل، أي القنوت والخضوع والعبودية في ساحة الله، والأنين ليلاً، رجاء رحمة الله وخشية عقابه. هذا أولاّ، ثم مسألة العلم ثانياً، ولو لم يكن ذلك الأصل فهذا العلم ليس أكثر من وبال. " ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه"12.
أمير المؤمنين عليه السلام يبين أنه رب عالم قد قتله جهله، عالم ولكنه ليس عاقلاً، ولأنه ليس عاقلاً، فهو جاهل أي الجهل مقابل العقل وليس الجهل في مقابل العلم فرغم انه عالم، لكنه خسر في جبهة جهاد الداخل وهلك. (ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه) العلم ليس بتلك الاستطاعة، بل العقل والعقل يظهر بالأنين.
فإذا اعتبر القرآن، العلم بوصفه ميزة وفضيلة، يعتبر هذا ملحق ذلك الأصل.
يمكن ان يكون هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل العلمية، ولكن في مسألة الأنين والبكاء، إن لم تكن المرأة اكثر نجاحاً، فهي ليست أكثر حرماناً، (أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) . ثم (قل هل يستوي الذين يعلمون) هذه الآية الكريمة تشخص التقوى وتعطي للإنسان العارف درعاً، لم يقل: إن الذي يعبد آناء الليل يخاف من الله، بل ينسب الرجاء إلى الله والخوف إلى عاقبة عمله لم يقل: (يحذر ربه ويرجو رحمة ربه)، لأن الله كمال محض والكمال المحض ليس لديه خوف.
ورد في دعاء السحر: "اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه " 13.
كل هذا الدعاء هو جمال، وبما أن الله تعالى كله جمال، فلا محل للخوف حتى يخاف شخص من الله، لذا تعطي الآية درعاً بيد الإنسان وتقول: إذا رأيت جمالاً وجه هذا الدرع نحوك حتى لا يسند الجمال إليك. ويصل مباشرة إلى الله، وإذا رأيت خوفاً أو سمعت كلاماً عن جهنم وجه هذا الدرع فوراً نحو الله ينسب الخوف إلى الله، الإنسان يخاف من عاقبة عمله وإلا فالله هو جمال محض " كل جمالك جميل "14.
الخوف العقلي والنفسي
إذاً الكلام عن﴿ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى﴾ 15، فالمقصود هو الخوف العقلي وليس الخوف النفسي، الخوف العقلي هو أن الإنسان عندما يذهب إلى محل عظيم يخاف خوفاً عقلياً ويشعر بالحقارة والصغر، أحياناً يسافر الإنسان لوحده في صحراء ويخاف من اللص والسارق والحيوان المفترس هذا الخوف هو خوف نفسي ولن يدخل أحياناً إلى الحرم المطهر لثامن الحجج صلوات الله عليهم أجمعين ويخاف، وهذا هو خوف عقلي، أي يشعر بالصغار، الخوف العقلي هو عين المحبة. في دعاء أبي حمزة الثمالي نقرأ: "اللهم أني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك" 16.
وكما أن صفات الله تعالى عين بعضها البعض وعين ذاته، كذلك صفات العبد الكامل التي هي مظهره هي عين بعضها البعض وعين ذاته، ولكن مع هذا الفرق وهو أن الصفات في العبد الكامل، ممكنة، وعينيتها إمكانية، وفي الذات المقدسة الواجبة، صفاته واجبة، وعينيتها وجوبية أيضاً ، لذا ورد في هذا الدعاء " اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك"، حتى يتضح أن الخشية خشية محبة لا خشية خصام. أحياناً يخاف الإنسان من العدو، وأحياناً يخاف من الصديق، هنا المحبة هي عين الخشية، هذه الخشية هي عين تلك المحبة.
العلم النافع
إذا طرح العلم بوصفه فضيلة فان العلم فرع وأصله هي التقوى، من هنا يتضح ان العلم الذي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بطلب زيادته، إذ قال: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمً﴾ا 17.
يقصد به العلم الذي يكون نافعاً. ونفع العلم هو في ظل التقوى.
بعض العلوم ليست مفيدة في الدنيا فقط، بل تزدهر في البرزخ والقيامة أيضاً، وبعض العلوم لها جنبة عملية ودنيوية فقط، إذا استفاد الإنسان منها في الدنيا بشكل صحيح فهي مفيدة، وإلا فنفس العلم يرحل بعد الموت مثل علوم الزراعة، والبيطرة والطرق والبناء المعماري وأمثال ذلك، لأنه ليس في الجنة محل للزارعة حيث تنمو الشجرة في كل مكان يريده المؤمن، وفي كل مكان يريده تفور عين.
﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ 18.
ولكن معرفة الله واسماء الله، معرفة مواقف القيامة وأمثال ذلك تزداد ازدهاراً في القيامة. العلم الذي يكون مفيداً للمجتمع البشري. تحصيله إما واجب عيني أو واجب كفائي في الدين، ولكن الأهم من الكل هي المعارف الإلهية التي قال تعالى لرسوله: ( وقل رب زدني علماً ) نموذج هذا العلم علمه له وقال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ 19. ليس هناك أعلى من علم التوحيد.
"التوحيد، ثم الجنة" 20 .
ولكن هذا العلم إلى جانب طلب المغفرة وإلى جانب ذلك الدعاء، وهذا ليس من أجل ان العلم هو هدف أصيل، بل لأن الاعتقاد التوحيدي هو أصل، لأنه نفسه عمل ويهيىء أرضية ذلك الاستغفار فَاعْلَمْ أَنَّهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم﴾ْ21. وبمناسبة هذه الآية الكريمة ورد: "خير العلم. التوحيد "و " خير العبادة، الاستغفار " 22.
في هذه الناحية أيضاً ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل ، بل ان النساء أكثر نجاحاً في أقسام الدعاء .
هذه المعارف وتفهمها النساء وتعمل بها، عند ذلك يعرفن أين يصرفن البكاء هذه الذخيرة الإلهية، صحيح أن الجمال هو رأسمال لهن، ويجب أن يصرفنه في محله، الكل يعلم بأنه يجب ان تكون النساء ذوات حجاب، وزكاة الجمال هي العفاف، لكن جمالهن الحقيقي هو الانجذاب نحو الجمال المحض.
" زكاة الجمال، العفاف " 23.
ولكن ما هي زكاة ذلك الأنين والآه ورقة القلب؟ أين يجب صرفه؟ " سلاحه البكاء "هذا يجب ان يعلم أن يبكي في الأدعية والمناجاة ولا يبكي بلا فائدة، هذا الرأسمال لم يعطه الله حتى يبكي الإنسان من أثر التنافس على مظاهر الدنيا واللباس والزينة، لأنه من الحيف أن يصرف الإنسان هذه الأسلحة في غير محلها. وفي هذه الأدعية لم يشترط أن يقرأها الرجل ولا تقرأها المرأة، والمناجاة الفلانية خاصة بالرجل وليس للمرأة سهم، ليس هكذا.
إذا جمعنا كل هذه المسائل نرى ان الله تعالى اعتبر المعيار شيئاً، وفي ذلك المعيار تشترك المرأة والرجل، وإذا لم تكن لدى ملايين الأشخاص الدارسين وغير الدارسين اعمال تنفيذية، فذلك لا يعني عدم وصولهم إلى الهدف.
كثير من العلماء والمحققين يقولون: بالنظر لأن هناك أشخاصاً عاملين في الأمور التنفيذية، بمقدار الكفاية، فلماذا نقبل نحن بعمل تنفيذي؟ هؤلاء إذا لم يكونوا أكثر نجاحاً في المعارف الدينية وفي خدمة الإسلام والمسلمين، فليسوا بأقل. فيتضح ان التكامل هو في شيء آخر. ونحن نبحث عن الاختلاف في شيء آخر هذه القضية المنطقية نكررها أيضاً، وهي ان ما هو معيار الكمال ليس فيه فرق بين المرأة والرجل، وما هو فرق بين المرأة والرجل، ليس معيار الكمال.
تتمة البحث
أساس العرفان وهو الشهود للواقع وكشف الحقيقة ينشأ من السير والسلوك في درجات الوجود ومراقبة سالكي طريق الوصال ومشاهدة مسير الأسفار المتنوعة، كثير من منجزات العرفان يؤيدها البرهان، كما ان خلاصتهما يراها القرآن جائزة ولائقة وذلك بانسجام مع البرهان المتين والعرفان الصادق. ما يراه العارف هو أن جميع الأشياء تتجدد كل لحظة. وفي هذا التجدد ليس هناك امتياز بين الثابت والسيال، المجرد والمادي، وهدف جميع السالكين هو لقاء الله، كما أن سير جميع المسافرين هو تجليات الله المتنوعة. اختلاف السائرين في اختيار تجلي خاص ونيل اسم خاص الذي يجعل كلاً منهم مظهره الخاص. مجموعة لها انس باسماء الجمال واللطف والعاطفة، وبعض تطبع باسماء الجلال والقوة. لذا حشر الجماليين في الجنة وحشر الجلاليين في جهنم، وفي النتيجة كل منهم يلقى اسماً خاصاً من الأسماء الإلهية ويسكنون تحت ولاية ذلك الاسم.
الآية الكريمة﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ 24. هي بمثابة رأس فصل في بحث كتاب سفر سالكي طريق الله، حيث يبين في آخر ذلك التقرير عمل السعداء بصورة استلام كتاب الأعمال باليد اليمنى، والالتحاق بنظائرهم وأهلهم، ويبين تقرير عمل الفاسقين بصورة استلام كتاب الأعمال من خلف الرأس، وصياح طلب الموت مع الاحتراق.
ليس هناك أي امتياز بين الموحد والملحد في أصل الكدح والسير والتول ، لكن الملحد يسير دائماً في كثرة، ويسعى من الخلق إلى الخلق ومع الخلق وفي الخلق ولأجل الخلق (أي المادة)، ولا ينظر في كل مرحلة من مراحل سفره إلى هدفه الأصيل ومرافقة الصادق وهو الحق، ولا يطلع أبداً على الوحدة، ولا يخرج الرأس من الكثرة، بل يدور حول نفسه مثل دودة القز ولا يرى خالقه، والنتيجة يصبح مظهر إضلال ويدخل الرأس في جهنم مثل الشيطان المضل. وهو باطن كل كثرة خبيثة، وكل مادة بلا روح. وفي هذا السير السقوطي ليس هناك فرق بين المرأة والرجل، لأن التوحيد والالحاد للروح، والروح ليست من صنف الذكور ولا من صنف الإناث.
الموحد الصادق بواصل سيرة مع الحق ويعبر جميع مراحل سلوكه في صاحبة الحق ولا ينظر أبداً إلى الكثرة بدون شهود الوحدة، ولا تصبح رؤية الخلق حجاب شهود الخالق أبداً، بل يعتبر الخلق آية للحق دائماً ويستفيد استفادة صحيحة من هذه المرآة وينظر جمال الخالق في أنحاء مرايا السماء والأرض، وبالنتيجة يصبح مظهر هداية ، ويستقر في الجنة مثل ملك هادٍ، فباطن كل وحدة منزه وداخل كل صورة مع الروح وحيّ. وفي هذا الحركة ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل، لأن السفر الحقيقي في مراحل التوحيد يكون بعهدة الإنسانية المبرأة من الذكورة والأنوثة.
وقد قسم سالكوا الطريق، والسالكون الشاهدون للغيب والشهود، مراحل السفر إلى أربعة أقسام، حيث للحق حضور في جميع تلك المراحل.
الأول: السفر من الخلق إلى الحق ومن الكثرة إلى الوحدة، الثاني: السير من الحق إلى الحق والسفر في بحر الوحدة وشهود أسماء وأوصاف الواحد الأحد، الثالث: السفر من الحق إلى الخلق بصحبة الحق والسفر من الكثير إلى الكثير في صحبة الواحد الأحد. وقد ورد شرح هذه الأسفار الأربعة وحصيلة كل مرحلة والنتيجة النهائية للمراحل الأربع في موطنها المناسب. إن ما هو لازم الذكر هنا: أن المراحل المذكورة تتولى رسم الخطوط العامة للولاية وآثارها الولائية، والمسافرون في هذا السير هم من الرجال والنساء. في هذا الوفد نحو الحق، ليس هناك أي فرق بين المذكر والمؤنث. وما هو مطروح في السفر الثالث والرابع هو الدرجات المتنوعة للولاية والتي ليس فيها أي فرق أبداً بين المرأة والرجل ولا ترتبط بمسألة النبوة والرسالة، أي أن السفر الثالث والرابع يؤمن أيضاً بدون النبوة والرسالة، لأن الرجوع من الحق إلى الخلق والرجوع من الوحدة إلى الكثرة رغم انه لا يرافقه نبوة انبائية وتعريفية ولكن لا يستلزم أيضاً النبوة والرسالة التشريعية. بناء على هذا فإن ما حرمت منه المرأة، أي النبوة والرسالة التشريعية ليست لازمة للعودة من الحق إلى الخلق. وما هي لازمة لهذه العودة (أي النبوة الانبائية والتعريفية) ليس فيها فرق بين المرأة والرجل. وعدم التمييز بين هاتين المسألتين العميقتين صار عاملاً للحكم بحرمان المرأة من السفر الثالث والرابع.
الغرض ان ظهير النبوة والرسالة هي الولاية، وفي الولاية ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل رغم ان هناك فرقاً بين هذين الصنفين في بعض أثارها التنفيذية وهي النبوة والرسالة التشريعية. المسألة الأخرى التي ضمن التكرار يمكن انهاء كل نزاع فيها هي انه رغم ان هناك فرقاً بين الرجل والمرأة في النبوة والرسالة التشريعية، أي أن المرأة لا يمكنها ان تصبح نبياً وصاحب شريعة، وهو عمل تنفيذي، والرجل يستطيع ذلك، ولكن بعد ختم النبوة التشريعية فقد أنسد هذا الطريق على الجميع سواء الرجال أو النساء لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد" 25.
من هنا لا تترتب على ذلك الفرق أية ثمرة، الذين يعتزمون إخراج النساء من الساحة السياسية: الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية ليس لديهم أية حجة، لأنه إذا كان الحرمان من الرسالة التشريعية نقص فالرجل هو كالمرأة أيضاً محروم بعد ختم النبوة، وإذا كان التمتع بالظهير الأصيل للنبوة، أي الولاية هو مسألة ذات قيمة، وهي حصيلة السير نحو الله. فان المرأة هي كالرجل تتمتع بهذه الكرامة، وإذا كان المطروح هو توزيع المعلم وتقسيم، المناصب التنفيذية بدون اختلاط المرأة والرجل، فالمرأة كالرجل أيضاً صاحبة حق، وإذا كان الكلام عن الاختلاط غير الصائب والتعامل غير المشروع، فالرجل هو كالمرأة ممنوع أيضاً، وإذا كان التقسيم العادل للمناصب التنفيذية، مع الأخذ بنظر الاعتبار قابليات وتقييم خاصية كل صنف من هذين الصنفين هو المقصود، فان كلاً منهما لديه استطاعة تحمل مسؤوليات مناسبة، طبعاً في الأعمال التنفيذية للرجل وظائف أكثر.
يقول القيصري في شرح الفصّ المحمدي من فصوص محيي الدين: " إعلم ان المرأة باعتبار الحقيقة عين الرجل وباعتبار التعين يتميز كل منهما عن الآخر... " 26.
ولأن أصلهما واحد وليس هناك تمايز بينهما من حيث الحقيقة فجميع المقامات المتصورة للرجل تستطيع المرأة نيلها أيضاً. كما قال الشيخ الأكبر.
" ان هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال فقد تكون للنساء أيضاً، لكن لما كانت الغلبة للرجال تذكر باسم الرجال" 27.
ولكن هل أن هذه الغلبة تتعلق بالقابلية للرجل وعدم قابلية المرأة؟ أم هي من أثر تربية البيئة والأسرة والعادات و.. التي تتطلب بحثاً منفصلاً؟ ان بعض الرجال ليسوا فقط أقل قابلية من الرجال الآخرين، بل أنهم سوف يكونون أكثر نزولاً من بعض النساء أيضاً.
يرى محيي الدين أن سر محبوبية المرأة هو ان الله تعالى منزه عن أن يشاهد بدون تجلي ومظهر وكل مظهر يكون جامعاً أكثر للأسماء والأوصاف الإلهية يدل على الله بصورة أفضل ، والمرأة هي أكمل من الرجل في مظهرية الله، لأن الرجل هو مظهر القبول والانفعال فقط، والمرأة عدا أنها مظهر القبول والانفعال الإلهي، فهي مظهر الفعل والتأثير الإلهي أيضاً، لأنها تتصرف في الرجل وتجذبه ويحبها، وهذا التصرف والتأثير هو نموذج من فاعلية الله.
من هذه الناحية المرأة أكمل من الرجل. إذا أراد الرجل مشاهدة الله في مظهريته، فشهوده ليس تاماً، ولكن إذا أراد أن يشاهد الله في مظهرية المرأة، يصل شهوده إلى الكمال والتمام، لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب المرأة وقد قال في الحديث المعروف بأنه "حبب إليه من دنيانا المرأة والعطر وقرة عينه في الصلاة "28.
النكات اللازمة التبيين كلام محيي الدين هي عبارة عن:
1- المقصود من المحبة في هذا البحث هو الحب الإلهي وليس الشهوة الحيوانية، حيث قال ابن عربي نفسه: " ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة فكان صورة بلا روح... "29.
2- المقصود من فاعلية ومنفعلية المرأة يختص بالرجل، أي ان المرأة منفعلة بالرجل وفاعلة فيه، لا أن تكون منفعلة منه وفاعلة في الجنينلأنه تصبح هناك مظهر خالقية الله لها دور في تنظيم الجنين في الرحم لأن هذه المسألة رغم ان لها اهمية إلا أنها خارج محور البحث الحالي، لأن البحث هو في شرح محبوبية المرأة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام ابن عربي في بداية الفص المحمدي هو تفسير للحديث المذكور الذي جعلت فيه المرأة والعطر محبوبين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3- ما ورد في شرح القيصري لهذا الموضوع أوضح جداً من المسائل التي وردت في سائر الشروح مثل مؤيد الدين الجندي وفلاّ عبد الرزاق الكاشاني و...
وبعض آخر من كلام محيي الدين في كتاب الفتوحات هو عبارة عن :
1- ظهور المرأة يعتبر من الرجل، لذا لا تصل المرأة إلى درجة الرجل أبداً والآية: وللرجال عليهن درجة يعتبر تأييداً لهذه المسألة 30. طبعاً في ظهور المرأة من الرجل مسألة تستحق تحقيقاً وتجديد نظر.
2- الواصلون نحو الله هم من الرجال والنساء ولا يختص الوصول إلى الله بالرجال 31.
3- الحيض الشيطاني الخبيث يجب الاغتسال منه . وجميع أهل الطريقة والرياضة متفقون على ان الكذب هو حيض النفوس (أي الإنسان الكاذب هو حائض). بناء على هذا (الصدق) هو غسل من حيض (الكذب) 32.
4- في حالة أن يكون جثماني المرأة والرجل قد تهيئا للصلاة والدفن في القبر وأراد الإمام الصلاة عليهما صلاة واحدة فهل يجعل جثمان المرأة قريب من القبلة ومقدماً ويجعل جثمان الرجل إلى جهته؟ أم بالعكس يجعل جثمان الرجل قريباً من القبلة ويضع جثمان المرأة قريباً منه؟ هنا رأي ابن عربي هو أنه بالنظر لأن المرأة هي محل تكوين الطفل وهي أقرب من الرجل إلى المكوّن الحقيقي أي الله تعالى، لذا الأجدر هو أن تقدم المرأة على الرجل وتكون أقرب إلى القبلة حتى يولد طفلها بالفطرة التوحيدية 33.
5- في تفسير﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ صرح بأن درجة الكمال ليست محجورة بالنسبة إلى النساء والمرأة مشمولة، بشكل من الأشكال بالآية الكريمة، وإن لم يأتِ اسمها صريحاً 34.
6- وردت هذه المسألة (أي عدم محجورية المرأة عن الكمال مع ملاحظة تقدم الرجل) في الباب الثاني والسبعين، ج 10 ص 348 تحقيق عثمان يحيى.
7- في الباب الثامن والسبعين يقول : تختلف المرأة عن الرجل في كثير من أحكام الحج، لأنه وان اجتمعا في الإنسانية لكنهما امتازا عن بعضهما البعض من أثر عروض الذكورية والأنوثية . (أي ان الإنسانية تشكل جوهرتهما والذكورة والأنوثة عارضية).
8- في الباب المذكور يقول: أحياناً تصل المرأة في الكمال إلى درجة الرجال وأحياناً ينحدر الرجل إلى درجة بحيث يصبح35 أسفل من المرأة 36.
9- يطرح في الباب الثالث والسبعين رجالاً ونساء معروفين وصلوا إلى مقامات منيعة وفي بحث الحافظون والحافظات للحدود الإلهية، وفي بحث الحلم يقول: (ما من صفة للرجال إلا وللنساء فيها مشرب تولاهم الله بالحلم ..).
ثم يطرح بتكريم اسم شمس المسنّة في صف الأواهين.
وهناك مسائل كثيرة أخرى يمكن الحصول عليها في كتابات هذا العارف من حيث تقديم خطوط عامة للبحث، ومن ناحية الإشارة إلى المصاديق البارزة لذلك من نساء معروفات التقين بابن عربي أو ذهب هو للقائهن.
*جمال المرأة وجلالها،الشيخ جوادي آملي،دار الهادي،بيروت- لبنان ،ط1 1415هـ-1994م،ص207ـ236.
1- البقرة: 30.
2- نهج البلاغة. فيض الإسلام، الخطبة 228.
3- نهج البلاغة، فيض الإسلام، الخطبة 3.
4- بحار الأنوار، ج 1، ص 195.
5- الكافي، ج 1، الباب 28.
6- النساء، الآيتين: 78- 79.
7- مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
8- مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.
9- مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.
10- الزمر: 9.
11- الزمر: 9.
12- نهج البلاغة، الفيض، الحكمة 104.
13- مفاتيح الجنان، دعاء السحر.
14- مفاتيح الجنان، دعاء السحر.
15- النازعات: 40- 41.
16- مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.
17- ط: 114 .
18- الإنسان: 6.
19-محمد:19.
20-بحار الانوار,ج3, ص3
21-محمد:19.
22-اصول الكافي,ج2, ص517, الباب36
23- غرر الحكم، الفصل 37، الرواية 5.
24- الانشقاق: 6.
25-نهج البلاغة.
26- شرح القيصري، ص 473- 478.
27- الفصّ الموسوي، ص 452.
28- الفصّ المحمدي، ص 477- 478 شرح القيصري.
29- الفصّ المحمدي ص 480.
30- الفتوحات، الباب السابع، ص 287 و 248 ج 2، تحقيق عثمان يحيى.
31-الفتوحات،الباب الرابع والاربعون ج 4 ص 106. تحقيق عثمان يحيى.
32- الفتوحات، الباب السادس والستون ج 5 ص 391.
33- الفتوحات، الباب التاسع والستون ج 8، ص 89.
34- الفتوحات، ج 8 ص 151.
35- الفتوحات، ج 1 ص 142.
36- الفتوحات، ج 1 ص 143.