الدعاء في سيرة الإمام السجاد (عليه السلام)
الهوية والسيرة
الدعاء في سيرة الإمام السجاد (عليه السلام)
عدد الزوار: 375
من أبرز المظاهر الفذة في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام الأدعية المأثورة عنه، فقد تميز ما نقل عنه بالكثرة، والنفس الطويل، وشهرة التداول، لما تحتويه من أساليب جذابة ومستهوية للقلوب، تتجاوب معها الأرواح والنفوس، وما تضمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار. وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى، بالنصوص الحاسمة لقضايا عقائدية إسلامية، كانت بحاجة إلى البت فيها بنص قاطع، بعد أن عصفت بالعقيدة، تيارات الإلحاد، كالتشبيه والجبر والإرجاء، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل، تمهيدا للردة عن الإسلام، والرجوع إلى الجاهلية الأولى.
وفي حالة القمع والإبادة، ومطاردة كل المناضلين الأحرار، وتتبع آثارهم وخنق أصواتهم، كان قرار الإمام زين العابدين عليه السلام باتباع سياسة الدعاء، أنجح وسيلة لبث الحقائق وتخليدها، وأءمن طريقة، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة، وأقوى أداة اتصال سرية مكتومة، هادئة، موثوقة.
كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قوية في ميادين الأدب، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب، وخاصة الشعب العربي، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم. ولقد استخدم الأئمة عليهم السلام تأثير الأدب في الناس، فكانوا يهتمون بذلك، سواء في تطعيم ما يصدرونه، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي، نثرا وشعرا، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية، والحقة، في أشعارهم، ويروجونها بين الناس.
ولقد استثار الأئمة عليهم السلام - على طول خط الإمامة - شعراء فطاحل من المتشيعين، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي إلى تثبيت الحق والدعوة إلى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت عليهم السلام، حتى اشتهر عنهم الحديث (من قال فينا بيتا من الشعر، بنى الله له بيتا في الجنة). ولقد كان لهذا التوجيه أثر آخر، وهو انتشال الأدب - وخاصة الشعر - من مهاوي الرذيلة والمجون والاستهتار الذي سقط فيه الأدباء وخاصة الشعراء في تلك العصور المظلمة، التي كادت تؤدي إلى ضياع جهود جبارة من ذوق الشعراء وفنهم في متاهات الأغراض الفاسدة، وكذلك جهود الأمة في سماع ذلك الأدب الماجن، ونقله وضبطه وتداوله!
وقد أثرت جهود الأئمة عليهم السلام بتعديل ذلك المجرى، للسير في السبل الآمنة، والأغراض الشرعية، والتزام الأدب الهادف المؤدي إلى رفع المستوى الخلقي والفكري والثقافي. ولقد أثرى الإمام زين العابدين عليه السلام الأدب العربي: بمادة غزيرة من النصوص الموثوقة، بشكل الأدعية التي تعد من أروع أمثلة الأدب العربي في النثر[1].
السيد محمد رضا الجلالي
[1] - لاحظ مقال: من أدب الدعاء في الإسلام، مجلة تراثنا، العدد (14) السنة الرابعة (1409) (ص 30).