ملامح التوحيد في مسار الحياة الإنسانيّة
إضاءات إسلامية
ملامح التوحيد في مسار الحياة الإنسانيّة
عدد الزوار: 109
يذهب الإمام الخامنئي (حفظه المولى) إلى أنّ الإنسان هو المخوَّل تكوينيًّا برسم مسار حياته، وأنّ الإرادة والاختيار التي أولاه الله سبحانه إيّاها هي مصدر صناعة قدر الإنسان. لكنّ مقتضى نجاح الإنسان في نتائج اختياراته ينبغي أن ترتبط بمبدأ التوحيد وتجلّياته على مسرح حياة الإنسان. وبهذا الصدد يقول سماحته: "إنّني ذكرت بالنسبة لمفهوم القدر أنّ الاختيار بيدكم، وهذا ممّا لا شكّ فيه، ولكن مع ذلك، لا بدّ أن تأخذوا دور الهداية والتوفيق الإلهيّ بنظر الاعتبار، فقد يصاب أحدكم بالتعب أثناء الطريق فيستمدّ العون من الله، فيستجيب الله له ويمدّه بالقوّة فيواصل السير، وتارة يتردّد بالاختيار فيطلب الهداية من الله فيهديه"(32).
لذا، ينبغي للمرء في حياته الرساليّة والجهاديّة أن يربط نفسه بالمدد والهداية الإلهيّة التي منها تنبعث معالم القدرة ومظاهر نهج الاقتدار، بحيث يمكن لنا القول: إنّ المسلم الرساليّ – حسب نهج الاقتدار– سواءً أكان في حال الثورة، أم بناء الدولة، أم صناعة الحضارة، فإنّ عليه استدامة الارتباط والصدور عن المبدإ التوحيديّ في كلّ حياته العمليّة والروحيّة، وأنّ مثل هذه الميزة المبنيّة على القيم الإسلاميّة هي التي تميِّز الحضارة الإسلاميّة عن الحضارة المادّيّة.
هناك اختلاف بين الأعمال العسكريّة في الثقافة المادّيّة، وبينها في الثقافة الإسلاميّة، حيث إنّها لا تعني في المنظار المادّيّ سوى العنف، والقسوة، والطاعة العمياء، وأنّها أداة بيد الطامعين.. في حين أنّ العمليّات العسكريّة في المنظار الإسلاميّ تختلف عن ذلك تمام الاختلاف، حيث إنّها تجسيد للمفاهيم الإنسانيّة، ودفاع عن القيم الصالحة مصحوب بالوعي والمعرفة، وهذا الدفاع يعني حمل الأرواح على الأكفّ، وترويض النفس على التضحية والفداء، وأنّ هذا الدفاع يكون من أجل أسمى القيم الإنسانيّة والإلهيّة... لذا، يعدّ العمل العسكريّ في المنظار الإسلاميّ (جهادًا)، فإنّ الجهاد مأخوذ من بذل الجهد والسعي في سبيل القيم العليا، ومن هنا، جاء في الحديث: إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة(33).
وما ذلك إلّا لأن الإسلام دين نهج الاقتدار هو دين التوحيد الكامل، ولو أردنا أن نتعرّف إلى القيم الإسلاميّة البانية لحضارته فما علينا إلّا أن نتعرّف للتحديدات التي تناولها الإمام الخامنئي فيما يخصّ القيم التوحيديّة، ومنها:
1- أنّ التوحيد يعني خلاص الإنسان من العبوديّة والطاعة لغير الله.
2- وهو يعني تحطيم كلّ قيود النظام السلطويّ.
3- كما يعني كسر سرّ الخوف من القوى الطاغوتيّة.
4- والتوحيد يعني الاعتماد على الطاقات التي أودعها الله في الإنسان.
5- وهو يعني أيضًا الاعتماد على الوعود الإلهيّة بانتصار المستضعفين.
أمّا على مستوى القيم الفرديّة، فالتوحيد يعني:
1- التعلّق القلبيّ بالرحمة الإلهيّة وعدم الخوف من احتمال الهزيمة.
2- مواجهة كلّ المصاعب والأخطار التي تهدّد الإنسان في طريقه لتحقيق الوعود الإلهيّة بصدر رحب.
3- وتحمّل مشكلات الطريق في سبيل الله والأمل بالنصر النهائيّ.
4- ويعني تركيز الأحداق على الهدف الساميّ، وهو خلاص المجتمع من كلّ ظلم وتفرقة أو جهل أو شرك.
5- "أن لا يطلب المرء في كلّ ذلك إلّا الأجر الإلهيّ في قبال المصاعب الشخصيّة"(34).
بمثل هذا الأفق المفتوح على عالم من قيم الاقتدار الإنسانيّ والحضاريّ، رسم الإمام الخامنئي تأثيرات التوحيد في حياة الإنسان الفرديّة والرساليّة العامّة. وعمل على أن يضخّ كلّ ذلك في وشائج المؤسّسات الخاصّة بالدولة والمجتمع، بحيث كانت هذه المعنويّة السارية في كلّ مفاصل البناء الرساليّ هي صمّام الأمان لحفظ الأمانة الإلهيّة، وهي الدافع نحو تحقيق الأهداف المتوخّاة والتي هدى الله سبحانه إليها. وأنّ كلّ قراءة لمسارات الحراك النهضويّ على مستوى الشعوب أو مسار الدولة الإسلاميّة في إيران الإسلام لا يستند إلى مثل هذه المبدئيّة، فإنّه بحقيقة الأمر مفارقة للواقع الصانع لوقائع هذه المسارات والتحوّلات والأحداث.
الرؤية التوحيديّة وقيم الحضارة الإسلاميّة، الشيخ شفيق جرادي
(32) الإمام الخامنئي، كلمة خلال لقاء الشباب والأساتذة الجامعيين (طهران: 7 تموز 2004).
(33) الإمام الخامنئي، كلمته خلال اللقاء بقرّاء القرآن الكريم (طهران: 1 رمضان، 1425هـ).
(34) الإمام الخامنئي، الإسلام المحمّديّ، إعداد مهدي علاء الدين، الطبعة 1 (بيروت: دار الولاء، 2005)، الصفحة 21.