عبدٌ رَحِمَهُ الله
ربيع الثاني
«رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى، ودُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا، وأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا».
عدد الزوار: 307عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى، ودُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا، وأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا».
موعظةٌ شافيةٌ من كلامِ أميرِ الكلامِ (عليه السلام) وحثٌّ على الأخلاقِ الحسنةِ والصفاتِ الممدوحةِ بلغةِ الإخبارِ أو الدعاءِ لمن يمتلكُ هذه الصفاتِ بأنْ تتنزَّلَ عليه رحمةُ اللهِ، فإنّه مستحقٌّ لهذه الرحمةِ بما بذلَه من جهدٍ ليتزيَّنَ بصفاتِ الشخصيةِ الإيمانيةِ، ومن هذا الكلامِ يمكنُ استخراجُ أبعادِ هذه الشخصيةِ التي ينبغي العملُ على تحصيلِها، كيف يسمعُ وماذا يفعلُ وكيف يستجيبُ ولمن... والسائرُ إلى اللهِ ينبغي له طيُّ مراحلَ في كلِّ صفةٍ من هذه الصفاتِ.
وأمَّا المضامينُ فهي متعددةٌ:
1- «سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى»: أي يقفُ عند الحكمةِ فيفهمُها ويتأمَّلُ بها ثم يعملُ بها ولا يترفَّعُ عنها. فالمهمُّ وعايةُ الحكمةِ أي فهمُها صحيحاً والعملُ بها. فالحكمةُ تُلقَى على الناسِ ولكنْ صاحبُ القلبِ الأعمى لا يعيها قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.(سورة الأنعام،الآية:35)
ولذا، المؤمنُ يُفضِّلُ بساطةَ العيشِ في هذه الدنيا والقلّةَ فيها إذا كان بذلك ينالُ الحكمةَ التي بها النجاةُ في القيامةِ، وفي وصيّةِ الإمامِ موسى بنِ جعفر (عليهما السلام) لهشامِ بنِ الحكم، يقول: «يَا هِشَامُ إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ ولَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ».
2- «ودُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا»: إنَّ أعظمَ الرشدِ يتمثَّلُ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد حكى اللهُ عزَّ وجلَّ على لسانِ الجنِّ لمّا سمعوا القرآنَ أنَّهم قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾(سورة الجن، الآيتان:2و3) ، ولذا وردَ الحثُّ على التمسُّكِ بكتابِ اللهِ ففيه النجاةُ، متى وصلَ إليه حقٌّ عمِلَ به وتقرَّبَ إلى اللهِ بالعملِ به، وبهذا يقتربُ الإنسانُ من اللهِ عزَّ وجلَّ لأنّه يسلكُ طريقَ الحقِّ.
3- «وأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا»: وهذا كنايةٌ عن الاتّباعِ فإذا وجدَ هادياً تبعه وتمسّك به واعتمدَ على سيرتِه ومشى خلفَه. والمرادُ بالهادي تطبيقاً هم الأئمّةُ (عليهم السلام) ولا نجاةَ إلا باتّباعِهم واتّباعِ مَنْ ولَّوهُم الأمرَ من بعدهِم.
وقال الإمامُ (عليه السلام) عن منزلةِ الأئمّةِ الأطهارِ (عليهم السلام): «أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّه ووَضَعَهُمْ، وأَعْطَانَا وحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ، بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى ويُسْتَجْلَى الْعَمَى، إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ، غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ».
وإنَّ من أفضلِ سبلِ التمسُّكِ بالهداةِ في عصرِ الغيبةِ الكبرى الرجوعَ إلى نائبِ المعصومِ الوليِّ الفقيهِ الصائنِ لنفسِه، الحافظِ لدينِه، المخالفِ لهواه، الذي بالتمسُّكِ باتّباعِه تُكتبُ النجاةُ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
2019-12-11