الإيمان وفق الثقافة القرآنيّة اليقينيّة ليس مجرّد أمرٍ قلبيٍّ صرف. صحيحٌ أنّ الإيمان والتصديق يرتبطان بالقلب، لكنّ القرآن لا يعترف بأيّ تصديقٍ أو إيمانٍ أو قبولٍ أو أيّ تسليم كان. الإيمان المجرّد والإيمان القلبيّ الجافّ والفارغ هو الإيمان الذي لا يُشاهَد شعاعه في جوارح المؤمن وأعضائه. ومثل هذا الإيمان لا يتمتّع بأيّة قيمة بنظر الإسلام.
إنّ الإيمان المعتبر في الإسلام - وهو من الأصول الاعتقاديّة للإسلام والتشيّع - هو الإيمان الذي يولّد وينتج المسؤوليّة. إنّه الإيمان الذي يتلاءم مع هذه الالتزامات العمليّة. وإذا لم يكن كذلك فلا ينبغي أن نتوقّع منه أيّة نتيجة ولا ينبغي أن نتوقّع النصر في الدنيا والأمن فيها: ﴿الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾2 . هذه الآية وعشرات الآيات الأخر هي شاهدٌ وتفي بالمقصود ولا يتّسع المجال هنا لذكرها. ﴿الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ أي أنّهم لم يمزجوا إيمانهم بالظلم فسوف يكون لهم الأمن.
إذًا، لا أمن لأولئك الذين يمزجون إيمانهم بالظلم، فذاك الإيمان الذي لا يتلازم مع المسؤوليّة لا يؤدّي إلى نصر المؤمن ولا يمنحه السعادة والفلاح في الدنيا. وفي خلاصة الكلام: لا يمنحه جنّة الدنيا والآخرة.
فلماذا أصرّ وأؤكّد على هذه القضيّة؟ ذلك لأنّه جرى العمل ولسنوات مديدة وطيلة هذه القرون على ذهنيّة المسلمين من أجل إقناعهم بأنّ العمل ليس ضروريًّا أو مطلوبًا ليكون المرء مسلمًا. ولأجل إفهامهم بأنّ ما يلزم ليكون الإنسان مؤمنًا هو القلب الطاهر لا العمل الصالح.
لقد أرادوا أن نصدّق كلّ هذا عبر السنين. وقد كان القرآن يصدح بندائه طيلة الوقت، وكان نداؤه حيًّا وطريًّا حيث يقول: ﴿وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنين﴾. فالذين لا يعملون هم ليسوا بمؤمنين ولا إيمان لهم. فالمؤمنون هم الذين يتحرّكون في سبيل الله طبق الإيمان والالتزام والسعي والعمل. هذا هو منطق القرآن، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾2 . فلو قمتم بهذه الأمور سيشملكم الفلاح والتوفيق والنجاح. أمّا إذا لم يكن مع: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ فهل سيتحقّق الفلاح والنجاح؟ أنا أترك الجواب لكم.
1- سورة الأنعام، الآية 82.
2- سورة الحجّ،الآية 77.
* "الإيمان وليد الالتزامات العمليّة ومُصاحِبها"، كتاب "الرؤية العامة للفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم" ــ دار المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية .