فى الاشارة الى بعض الامور الباطنة المتعلقة بزيارة المشاهد.
اعلم ان النفوس القوية القدسية، لا سيما نفوس الانبياء و الائمة عليه السلام، اذا نفضوا ابدانهم الشريفة، و تجردوا عنها، و صعدوا الى عالم التجرد، و كانوا في غاية الاحاطة و الاستيلاء على هذا العالم، فامور هذا العالم عندهم ظاهرة منكشفة، و لهم القوة و التمكن على التاثير و التصرف في موارد هذا العالم، فكل من يحضر مقابرهم لزيارتهم يطلعون عليه، لا سيما و مقابرهم مشاهد ارواحهم المقدسة العلية، و محال حضور اشباحهم البرزخية النورية، فانهم هناك يشهدون، ﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون﴾.
و بما آتاهم الله من فضله فرحون، فلهم تمام العلم و الاطلاع بزائري قبورهم، و حاضري مراقدهم، و ما يصدر عنهم من السؤال و التوسل و الاستشفاع و التضرع، فتهب عليهم نسمات الطافهم، و تفيض عليهم من رشحات انوارهم، و يشفعون الى الله في قضاء حوائجهم، و انجاح مقاصدهم، و غفران ذنوبهم، و كشف كروبهم. فهذا هو السر فى تاكد استحباب زيارة النبي و الائمة عليهم السلام، مع ما فيه من صلتهم و برهم و اجابتهم، و ادخال السرور عليهم، و تجدد عهد ولايتهم، و احياء امرهم، و اعلاء كلمتهم، و تنكيت اعدائهم. و كل واحد من هذه الامور مما لا يخفى عظيم اجره و جزيل ثوابه. و كيف لا تكون زيارتهم اقرب القربات، و اشرف الطاعات، مع ان زيارة المؤمن-من جهة كونه مؤمنا فحسب-عظيم الاجر جزيل الثواب، و قد ورد به الحث و التوكيد و التغريب الشديد من الشريعة الطاهرة، و لذلك كثر تردد الاحياء الى قبور امواتهم للزيارة، و تعارف ذلك بينهم، حتى صارت لهم سنة طبيعية، و ايضا قد ثبت و تقرر جلالة قدر المؤمن عند الله، و ثواب صلته و بره و ادخال السرور عليه. و اذا كان الحال في المؤمن من حيث انه مؤمن، فما ظنك بمن عصمه الله من الخطا، و طهره من الرجس، و بعثه الله الى الخلائق اجمعين، و جعله حجة على العالمين، و ارتضاه اماما للمؤمنين، و قدوة للمسلمين، و لاجله خلق السماوات و الارضين، و جعله صراطه و سبيله، و عينه و دليله، و بابه الذي يؤتى منه، و نوره الذي يستضاء به، و امينه على بلاده، و حبله المتصل بينه و بين عباده، من رسل و انبياء و ائمة و اولياء.
ثم، الاخبار الواردة في فضيلة زيارة النبي و الائمة-عليهم السلام- مما لا تحصى كثرة. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "من زار قبرى بعد موتي كان كمن هاجو الي في حياتي، فان لم تستطيعوا فابعثوا الي بالسلام، فانه يبلغني".
و قال صلى الله عليه واله وسلم لامير المؤمنين عليه السلام : "يا ابا الحسن، ان الله تعالى جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة، و عرصة من عرصاتها، و ان الله جعل قلوب نجباء من خلقه، و صفوة من عباده، تحن اليكم، و تحتمل المذلة و الاذى فيكم، فيعمرون قبوركم، و يكثرون زيارتها، تقربا منهم الى الله، و مودة منهم لرسوله، اولئك يا على المخصوصون بشفاعتي، و الواردون حوضى، و هم زواري و جيرانى غدا في الجنة. يا على، من عمر قبورهم و تعاهدها فكانما اعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، و من زار قبوركم عدل ذلك سبعين حجة بعد حجة الاسلام، و خرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته امه. فابشر، و بشر اولياءك و محبيك من النعيم و قرة العين، بما لا عين رات، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و لكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم، كما تعير الزانية بزناها، اولئك شرار امتي، لا تنالهم شفاعتي، و لا يردون حوضي".
و قال الصادق عليه السلام : "لو ان احدكم حج دهره، ثم لم يزر الحسين بن على-عليهما السلام-، لكان تاركا حقا من حقوق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، لان حق الحسين عليه السلام فريضة من الله واجبة على كل مسلم". و قال الرضا عليه السلام : "ان لكل امام عهدا في عنق اوليائه و شيعته، و ان من تمام الوفاء بالعهد و حسن الاداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، و تصديقا بما رغبوا فيه، كان ائمته شفعاءه يوم القيامة". و الاخبار في فضل زيارة النبي و الائمة المعصومين، لا سيما زيارة سيد الشهداء و ابى الحسن الرضا-عليهم افضل التحية و الثناء-، و فضل زيارتهما على الحج و العمرة و الجهاد، اكثر من ان تحصى، و هى مذكورة في كتب المزار لاصحابنا، فلا حاجة الى ايرادها هنا 1.
1-جامع السعادات / العلامة النراقي.
2019-07-31