يتم التحميل...

آداب دخول المدينة المنورة

آداب المناسك والاقامة

آداب دخول المدينة المنورة

عدد الزوار: 172



و اذا عرفت فضل زيارتهم و سرها، و عظم قدرهم و جلالة شانهم، فينبغي ان تكثر التواضع و التخضع و الانكسار عند الدخول في بلادهم، و مراقدهم المنورة، و مشاهدهم المكرمة، و تستحضر في قلبك عظمتهم و جلالهم، و تعرف عظيم حقهم، و غاية جدهم و سعيهم في ارشاد الناس و اعلاء كلمة الله.

فاذا قربت المدينة المنورة، و وقع بصرك على حيطانها، تذكر انها البلدة التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ، و جعل اليها هجرته، و انها البلدة التي فيها شرع فرائض ربه و سننه، و جاهد عدوه، و اظهر بها دينه، و لم يزل قاطنا بها الى ان توفاه الله، و جعل تربته فيها.

ثم مثل في نفسك اقدام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند تردداتك فيها، و تذكر انه ما من موضع قدم تطاه الا و هو موضع قدمه العزيز، فلا تضع قدمك عليه الا على سكينة و وجل، و كن متذكرا لمشيه و تخطيه في سككها، و تصور سكينته و وقاره، و خشوعه و تواضعه لعظمة ربه، و ما استودع الله في قلبه من عظيم معرفته و رفعة ذكره، حتى قرنه بذكر نفسه، و انزل عليه كلامه العزيز، و اهبط عليه روح الامين و سائر ملائكته المقربين، و احبط عمل من هتك حرمته، و لو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله به على الذين ادركوا صحبته، و سعدوا بمشاهدته و استماع كلامه، و اعظم تاسفك على ما فاتك من صحبته، و تضرع الى الله الا تفوتك صحبته في الآخرة، و لتعظم رجاءك في ذلك، بعد ان رزقك الله الايمان، و اشخصك من ارضك لاجل زيارته، محبة له، و تشوقا اليه. ثم اذا دخلت مسجده، فتذكر ان اول موضع اقيمت فيه فرائض الله تلك العرصة، و انها تضمنت افضل خلق الله حيا و ميتا، فارج الله غاية الرجاء ان يرحمك بدخولك اياه خاشعا معظما، و ما اجدر ذلك المكان بان يستدعي الخضوع من قلب كل مؤمن.

ثم اذا اتيته للزيارة، فينبغى ان تقف بين يديه خاضعا خاشعا خائفا، و تزوره ميتا كما تزوره حيا، و لا تقرب من قبره الا كما تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا، اذ لا فرق بين ميته و حيه، و لو وجدت التفرقة في قلبك لما كنت مؤمنا، و لتعلم انه عالم بحضورك و قيامك و زيارتك، و انه يبلغه سلامك و صلواتك. فمثل صورته الكريمة في خيالك، جالسا على سرير العظمة بحذائك. و احضر عظيم رتبته في قلبك، و قد ورد: ان الله تعالى و كل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من امته. و هذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الاهل و الوطن، و قطع البوادي شوقا الى لقائه، و اكتفى و قنع بمشاهدة مشهده المنور، اذ فاتته مشاهدة طلعته البهية و غرته الكريمة. و قد قال صلى الله عليه واله وسلم : "من صلى علي‏مرة، صليت عليه عشرا".

فهذا جزاؤه عليه في الصلاة عليه بلسانه، فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟
و اذا فرغت من زيارته، فات المنبر و امسحه بيدك، و خذ برمانيته، و امسح بهما وجهك و عينيك، و تضرع الى الله، و ابتهل اليه، و اسال حاجتك. و توهم صعود النبى صلى الله عليه واله وسلم المنبر، و مثل في قلبك طلعته البهية، قائما على المنبر، و قد احدق به المسلمون من المهاجرين و الانصار، و هو يحمد الله بافصح الكلمات و اللغات و يحث الناس على طاعة الله. و اسال الله الا يفرق في القيامة بينه و بينك، و يجعلك في جواره، و يعطيك منزلا في قرب داره 1.


1-جامع السعادات / العلامة النراقي.

 

2019-07-31