يتم التحميل...

آداب الحاج

آداب المناسك والاقامة

آداب الحاج

عدد الزوار: 26



ينبغى للحاج، عند توجهه الى الحج، مراعات امور:
الاول-ان يجرد نيته لله، بحيث لا يشوبها شي‏ء من الاغراض الدنيوية، و لا يكون باعثه على التوجه الى الحج الا امتثال امر الله، و نيل ثوابه، و الاستخلاص من عذابه، فليحذر كل الحذر ان يكون له باعث آخر، مكنون في بعض زوايا قلبه، كالرياء و الحذر عن ذم الناس و تفسيقهم لو لا يحج، او الخوف من الفقر و تلف امواله لو ترك الحج، لما اشتهر من ان (تارك الحج‏يبتلى بالفقر و الادبار)، او قصد التجارة او شغل آخر، فان كل ذلك يخرج العمل من الاخلاص، و يحجبه عن الفائدة و ترتب الثواب الموعود، و ما اجهل من تحمل الاعمال الشاقة التي يمكن ان تحصل بها سعادة الابد، لاجل خيالات فاسدة لا يترتب عليها سوى الخسران فائدة، فيجتهد كل الجهد ان يجعل عزمه خالصا لوجه الله، بعيدا عن شوائب الرياء و السمعة، و يتيقن انه لا يقبل من قصده و عمله الا الخالص، و ان من افحش الفواحش ان يقصد بيت الملك و حرمه و المقصود غيره، فليصحح في نفسه العزم، و تصحيحه باخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء و سمعة.

الثاني-ان يتوب الى الله تعالى توبة خالصة، و يرد المظالم، و يقطع علاقة قلبه عن الالتفات الى ما وراءه، ليكون متوجها الى الله بوجه قلبه، و يقدر انه لا يعود، و ليكتب وصيته لاهله و اولاده، و يتهيا لسفر الاخرة، فان ذلك بين يديه على قرب، و ما تقدمه من هذا السفر تهيئة لاسباب ذلك السفر، فهو المستقر و اليه المصير. فلا ينبغى ان يغفل عن ذلك عند الاستعداد لهذا، فليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الاخرة.

الثالث-ان يعظم في نفسه قدر البيت و قدر رب البيت، و يعلم انه ترك الاهل و الاوطان، و فارق الاحبة و البلدان، للعزم على امر رفيع شانه، خطير امره: اعنى زيارة بيت الله الذي جعل مثابة للناس، فسفره هذا لا يضاهى اسفار الدنيا. فليحضر في قلبه ماذا يريد، و اين يتوجه، و زيارة من يقصد، و انه متوجه الى زيارة ملك الملوك في زمرة الزائرين اليه، الذين تودوا فاجابوا، و شوقوا فاشتاقوا، و دعوا فقطعوا العلائق، و فارقوا الخلائق و اقبلوا على بيت الله الرفيع قدره و العظيم شانه، تسليا بلقاء البيت على لقاء صاحبه، الى ان يرزقوا منتهى مناهم، و يسعدوا بالنظر الى مولاهم، فليحضر في قلبه عظم السفر، و عظمة البيت، و جلالة رب البيت، و يخرج معظما لهما، ناويا ان لم يصل و ادركته المنية في الطريق لقي الله و افدا اليه بمقتضى وعده.

الرابع-ان يخلى نفسه عن كل ما يشغل القلب، و يفرق الهم في الطريق، او المقصود، من معاملة او مثلها، حتى يكون الهم مجردا لله، و القلب مطمئنا منصرفا الى ذكر الله و تعظيم شعائره، متذكرا عند كل حركة و سكون امرا اخرويا يناسبه.

الخامس-ان يكون زاده حلالا، و يوسع فيه و يطيبه، و لا يغتم ببذله و انفاقه، بل كان طيب النفس به، اذ انفاق المال في طريق الحج نفقة في سبيل الله، و الدرهم منه بسبعمائة درهم، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "من شرف الرجل ان يطيب زاده اذا خرج في سفر". و كان السجاد عليه السلام اذا سافر الى الحج، يتزود من اطيب الزاد، من اللوز و السكر و السويق المحمض و المحلى. و قال الصادق عليه السلام : "اذا سافرتم، فاتخذوا سفرة و تنوقوا فيها". و في رواية: "انه يكره ذلك في زيارة الحسين عليه السلام ".

نعم ينبغى ان يكون الانفاق على الاقتصاد من دون تقتير و لا اسراف، و المراد بالاسراف التنعم باطائب الاطعمة، و الترفه بصرف انواعها على ما هو عادة المترفين، و اما كثرة البذل على المستحقين، فلا اسراف فيه، اذ لا خير في السرف، و لا سرف فى الخير. و ينبغى-ايضا-ان يكون له طيب النفس فيما اصابه من خسران و مصيبة في مال و بدن، لان ذلك من دلائل قبول حجه، فان ذهاب المال فى طريق الحج‏يعد الدرهم منه سبعمائة في سبيل الله، فالمصيبة في طريق الحج‏بمثابة الشدائد في طريق الجهاد، فله بكل اذى احتمله و خسران اصابه ثواب، فلا يضيع منه شي‏ء عند الله.

السادس-ان يحسن خلقه، و يطيب كلامه، و يكثر تواضعه، و يجتنب سوء الخلق و الغلظة في الكلام، و الرفث و الفسوق و الجدال، و الرفث اسم جامع لكل فحش و لغو و خنى، و الفسوق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله، و الجدال هو المبالغة في الخصومة و المماراة بما يورث الضغائن و يفرق الهم و يناقض حسن الخلق. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة‏"، فقيل: يا رسول الله، ما بر الحج؟ قال: "طيب الكلام و اطعام الطعام‏" افلا ينبغى ان يكون كثير الاعتراض على رفيقه و جماله، و على غيرهما من اصحابه، بل يلين جانبه، و يخفض جناحه للسائرين الى بيت الله، و يلزم حسن الخلق، و ليس حسن الخلق مجرد كف الاذى، بل احتمال الاذى، و قيل: سمى السفر سفرا، لانه يسفر عن اخلاق الرجال.

السابع-ان يكون اشعث اغبر، غير متزين و لا مائل الى اسباب التفاخر و التكاثر، فيكتب في المتكبرين و يخرج عن حزب الضعفاء و المساكين، و يمشى ان قدر، خصوصا بين المشاعر. و في الخبر: "ما عبد الله بشى‏ء افضل من المشي‏". و ينبغي الا يكون الباعث للمشي تقليل النفقة، بل التعب و الرياضة في سبيل الله، و لو كان القصد تقليل النفقة مع اليسار فالركوب افضل. و كذا الركوب افضل لمن ضعف بالمشي، و ساء خلقه، و قصر في العمل، ففي الخبر: "تركبون احب الي، فان ذلك اقوى على الدعاء و العبادة‏".

و كان الحسن بن علي-عليهما السلام-يمشى و تساق معه المحامل و الرحال. و اذا حضرت الراحلة ليركبها، فليشرك الله تعالى بقلبه على تسخيره له الدواب، لتتحمل عنه الاذى، و تخفف عنه المشقة. و ينبغي ان يرفق بها، فلا يحملها ما لا تطيق 1.


1_ جامع السعادات / العلامة النراقي.

 

2019-07-31