قيمومة الرجال على النساء
المرأة في القرآن والسنة
المراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة قوة التعقل فيهم، وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها فإن حياة النساء حياة عاطفية مبنية على الرقة واللطافة...
عدد الزوار: 111
يقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾1.
المراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة قوة التعقل فيهم، وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها فإن حياة النساء حياة عاطفية مبنية على الرقة واللطافة، والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما انفقوه في مهورهن ونفقاتهن.
وعموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها أعني قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً فالجهات العامة الإجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلاً الذين يتوقف عليهما حياة المجتمع، وإنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة وقوة التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء.
وعلى هذا فقوله: الرجال قوامون على النساء ذو إطلاق تام، وأما قوله بعد: فالصالحات قانتات (الخ) الظاهر في الإختصاص بما بين الرجل وزوجته فهو فرع من فروع هذا الحكم المطلق وجزئي من جزئياته مستخرج منه من غير أن يتقيد به إطلاقه.
قوله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾ المراد بالصلاح معناه اللغوي، وهو ما يعبر عنه بلياقة النفس. والقنوت هو دوام الطاعة والخضوع.
ومقابلتها لقوله: واللاتي تخافون نشوزهن إلى آخره تفيد أن المراد بالصالحات الزوجات الصالحات، وأن هذا الحكم مضروب على النساء في حال الأزدواج لا مطلقاً، وأن قوله: قانتات حافظات ـ هو إعطاء للأمر في صورة التوصيف أي ليقنتن وليحفظن ـ حكم مربوط بشؤون الزوجية والمعاشرة المنزلية، وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه علته أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجية فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزوجية.
وبعبارة اخرى كما أن قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع إنما تتعلق بالجهات العامة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقل الرجل وشدته في البأس، وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الارادة الفردية، وعمل نفسها بأن تريد ما أحبت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلن في انفسهن بالمعروف، كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ المرأة في ما تملكه إرادة ولا تصرف، ولا أن لا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والإجتماعية، والدفاع عنها، والتوسل إليها بالمقدمات الموصلة اليها، بل معناها أن الرجل إذا كان ينفق ما ينفق من ماله بازاء الاستمتاع فعليها أن تطاوعه وتطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وأن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، وأن تمتع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتع منها بذلك، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، وسلطها عليه في ظرف الازدواج والإشتراك في الحياة المنزلية.
فقوله: فالصالحات قانتات أي ينبغي أن يتخذن لأنفسهن وصف الصلاح، وإذا كن صالحات فهن لا محالة قانتات، أي يجب أن يقنتن ويطعن أزواجهن إطاعة دائمة فيما أرادوا منهن مما له مساس بالتمتع، ويجب عليهن أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.
وأما قوله: بما حفظ الله، فالظاهر أن ما مصدرية، والباء للآلة والمعنى: إنهن قانتات لأزواجهن حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق حيث شرع لهم القيمومة، وأوجب عليهن الإطاعة وحفظ الغيب لهم.
ويمكن أن يكون الباء للمقابلة، والمعنى حينئذ: أنه يجب عليهن القنوت وحفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهن حيث أحيا أمرهن في المجتمع البشري، وأوجب على الرجال لهن المهر والنفقة، والمعنى الأول أظهر.
وهناك معان ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها لكون السياق لا يساعد شيء منها.
ماذا تعني قيمومة الرجل؟
تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنساني السليم، وترجيحه إياه على الهوى واتباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادة وحضه وترغيبه في اتباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة مما لا ستر عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدي إليه فقد تضمن القرآن آيات كثيرة متكثرة في الدلالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً وبكل لسان وبيان.
ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة، ومهام آثارها الجميلة التي يتربى بها الفرد ويقوم بها صلب المجتمع كقوله: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾2.
وقوله: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾3.
وقوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾4.
لكنه عدلها بالموافقة لحكم العقل فصار اتباع حكم هذه العواطف والميول اتباعاً لحكم العقل.
ومن حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرعة على ذلك أن جميع الاعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع كشرب الخمر والقمار والكذب والبهتان والإفتراء والغيبة كل ذلك محرمة في الدين.
والباحث المتأمل يحدس من هذا المقدار أن من الواجب أن يفوض زمام الأمور الكلية والجهات العامة الاجتماعية ـ التي ينبغي أن تدبرها قوة التعقل ويجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب ـ إلى من يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف وهو قبيل الرجال دون النساء.
وهو كذلك، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ والسنة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بينت ذلك كذلك، وسيرته صلى الله عليه وآله وسلم جرت على ذلك أيام حياته فلم يول امرأة على قوم ولا أعطى امرأة منصب القضاء ولا دعاهن إلى غزاة بمعنى دعوتهن إلى أن يقاتلن.
وأما غيرها من الجهات كجهات التعليم والتعلم والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها مما لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهن السنة ذلك والسيرة النبوية تمضي كثيراً منها، فإن ذلك لازم ما أعطين من حرية الإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة إذ لا معنى لاخراجهن من تحت ولاية الرجال وجعل الملك لهن بحيالهن ثم النهي عن قيامهن باصلاح ما ملكته أيديهن بأي نحو من الإصلاح، وكذا لا معنى لجعل حق الدعوى أو الشهادة لهن ثم المنع عن حضورهن عند الوالي أو القاضي وهكذا.
اللهم إلا فيما يزاحم حق الزوج فإن له عليها قيمومة الطاعة في الحضور، والحفظ في الغيبة، ولا يمضي لها من شؤونها الجائزة ما يزاحم ذلك.
بحث روائي
في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ﴾5، أي لا يقل أحدكم: ليت ما اعطي فلان من النعمة والمرأة الحسنى كان لي فإن ذلك يكون حسداً، ولكن يجوز أن يقول: اللهم أعطني مثله، قال: وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام6.
أقول: وروى العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام مثله7.
في تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى: ﴿أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾، وفي قوله: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أنهما نزلتا في علي عليه السلام8.
أقول: والرواية من باب الجري والتطبيق.
وفي الكافي وتفسير القمي عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصها به من الحلال الذي فرض لها وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قول الله عز وجل: واسألوا الله من فضله9.
أقول: ورواه العياشي عن إسماعيل بن كثير رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى هذا المعنى أيضاً عن أبي الهذيل عن الصادق عليه السلام10، وروى قريباً منه أيضاً القمي في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن الباقر عليه السلام.
وفي صحيح الترمذي عن ابي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل11.
وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج.
وفي التهذيب بإسناده عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُون﴾12 قال: عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره اليها13.
وفيه أيضاً باسناده عن إبراهيم بن محرز قال: سأل أبا جعفر عليه السلام رجل وأنا عنده قال: فقال رجل لامرأته: أمرك بيدك، قال: أنى يكون هذا والله يقول: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ ليس هذا بشيء14.
وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (قانتات) يقول مطيعات15.
وفي المجمع في قوله تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يحول ظهره اليها، وفي معنى الضرب عن أبي جعفر عليه السلام أنه الضرب بالسواك16.
وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله: ﴿فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾17 قال: الحكمان يشترطان إن شاءا فرقا، وإن شاءا جمعا فإن فرقا فجائز، وإن جمعا فجائز18.
أقول: وروي هذا المعنى وما يقرب منه بعدة طرق أخر فيه.
وفي تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوجها رجل، وشرط عليها وعلى أهلها ان تزوج عليها امرأة وهجرها أو أبى عليها سرية فإنها طالق، فقال: شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى عليها وهجرها إن أتت سبيل ذلك، قال الله في كتابه: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاع﴾ وقال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ وقال: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾19.
وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وامي إني وافدة النساء إليك، واعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي.
ان الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً20.
أقول: والروايات في هذا المعنى كثيرة مروية في جوامع الحديث من طرق الشيعة، وأهل السنة ومن أجمل ما روي فيه ما رواه في الكافي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام: جهاد المرأة حسن التبعل21.
ومن أجمع الكلمات لهذا المعنى مع اشتماله على اسّ ما بني عليه التشريع ما في نهج البلاغة، ورواه أيضاً في الكافي بإسناده عن عبد الله بن كثير عن الصادق عليه السلام عن علي عليه أفضل السلام، وبإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة عنه عليه السلام في رسالته إلى ابنه: أن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة22.
وما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا يضيعها".
وقد كان يتعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف تعانق المرأة بيد ضربت بها ؛ ففي الكافي أيضاً بإسناده عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها؟! وأمثال هذه البيانات كثيرة في الأحاديث، ومن التأمل فيها يظهر رأي الإسلام فيها.
ولنرجع إلى ما كنا فيه من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية فنقول:
يظهر من التأمل فيه، وفي نظائره الحاكية عن دخول النساء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتكليمهن إياه فيما يرجع إلى شرائع الدين، ومختلف ما قرره الإسلام في حقهن أنهن على احتجابهن واختصاصهن بالأمور المنزلية من شؤون الحياة غالباً لم يكن ممنوعات من المراودة إلى ولي الأمر، والسعي في حل ما ربما كان يشكل عليهن.
ويستفاد منه ومن نظائره أيضاً أولاً أن الطريقة المرضية في حياة المرأة في الإسلام أن تشتغل بتدبير امور المنزل الداخلية وتربية الأولاد، وهذه وإن كانت سنة مسنونة غير مفروضة لكن الترغيب الندبي ـ والظرف ظرف الدين، والجو جو التقوى وابتغاء مرضاة الله، وإيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا والتربية على الأخلاق الصالحة للنساء كالعفة والحياء ومحبة الأولاد والتعلق بالحياة المنزلية ـ كان يحفظ هذه السنة.
وكان الاشتغال بهذه الشؤون والاعتكاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهن يشغلهن عن الورود في مجامع الرجال، واختلاطهن بهم في حدود ما أباح الله لهن، ويشهد بذلك بقاء هذه السنة بين المسلمين على ساقها قروناً كثيرة بعد ذلك حتى نفذ فيهن الاسترسال الغربي المسمى بحرية النساء في المجتمع فجرت اليهن واليهم هلاك الأخلاق، وفساد الحياة وهم لا يشعرون، وسوف يعلمون، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾23.
وثانياً: إن في السنة المفروضة في الاسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد والقضاء والولاية.
وثالثاً: ان الاسلام لم يهمل أمر هذه الحرمانات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها، وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية كما أنه جعل حسن التبعل مثلاً جهاداً للمرأة، وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا ـ وظرفنا هذا الظرف الحيوي الفاسد ـ قدر لكن الظرف الاسلامي الذي يقوم الأمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانية المرضية عند الله سبحانه، وهو يقدرها حق قدرها يقدر لسلوك كل إنسان مسلكه الذي ندب اليه، وللزومه الطريق الذي خط له، من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانية وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج ـ على ما فيه من الفضل ـ على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجية، وكذا لا فخار لوال يدير رحى المجتمع الحيوي، ولا لقاض يتكي على مسند القضاء، وهما منصبان ليس للمتقلد بهما في الدنيا لو عمل فيما عمل بالحق وجرى فيما جرى على الحق إلا تحمل أثقال الولاية والقضاء، والتعرض لمهالك ومخاطر تهددهما حيناً بعد حين في حقوق من لا حامي له إلا رب العالمين. وإن ربك لبالمرصاد ـ فأي فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما، وخط له خطاً وأشار اليه بلزومه وسلوكه.
فهذه المفاخر إنما يحييها ويقيم صلبها بإيثار الناس لها نوع المجتمع الذي يربي أجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض، واختلاف الشؤون الاجتماعية والأعمال الإنسانية بحسب اختلاف المجتمعات في اجوائها مما لا يسع أحداً إنكاره.
هو ذا الجندي الذي يلقي بنفسه في أخطر المهالك، وهو الموت في منفجر القنابل المبيدة ابتغاء ما يراه كرامة ومزيداً، وهو زعمه أن سيذكر اسمه في فهرس من فدا بنفسه وطنه ويفتخر بذلك على كل ذي فخر في عين ما يعتقد بأن الموت فوت وبطلان وليس إلا بغية وهمية، وكرامة خرافية، وكذلك ما تؤثره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات ويعظم قدرهن بذلك الناس تعظيماً لا يكاد يناله رؤساء الحكومات السامية، وقد كان ما ما يقمن به من العمل وما يعطين من أنفسهن للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانية أعظم ما يسقط به قدر النساء، وأشنع ما يعيرن به، فليس ذلك كله إلا أن الظرف من ظروف الحياة يعين ما يعينه على أن يقع من سواد الناس موقع القبول ويعظم الحقير، ويهون الخطير فليس من المستبعد أن يعظم الإسلام أموراً نستحقرها ونحن في هذه الظروف المضطربة، أو يحقر أموراً نستعظمها ونتنافس فيها فلم يكن الظرف في صدر الإسلام إلا ظرف التقوى وإيثار الآخرة على الأولى.
1-.النساء:34.
2- الفتح:29.
3- الروم:21.
4- الاعراف:32.
5- النساء:38.
6- تفسير مجمع البيان ج 2، ص 40.
7- تفسير العياشي، ج 1، ص 239 رواية 115.
8- تفسير البرهان ج 1، ص 361 ( دار الكتب العلمية ).
9- الكافي ج 5، ص 80 رواية 2.
10- تفسير العياشي ج 1، ص 39، رواية 116 ورواية 117.
11- صحيح الترمذي: ج 5، ص 528 باب 116 حديث 3571.
12- النساء:33.
13- التهذيب ج 9، ص 268 رواية 2 باب 4.
14- التهذيب ج 8، ص 88 رواية 221 باب 36 وفي الحديث تكملة.
15- تفسير القمي ج 1، ص 137. (مؤسسة دار الكتاب: قم).
16- تفسير مجمع البيان ج 2، ص 44.
17- النساء:35.
18- الكافي ج 6، ص 146 رواية 3.
19- تفسير العياشي ج 1، ص 240 رواية ( 121).
20- السيوطي: الدر المنثور: ج 2، ص 153.
21- الكافي ج 5، ص 9 رواية 1.
22- الكافي ج 5، ص 510 رواية 3.
23- الأعراف:96.
2009-11-04